الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله تعالى: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ... }.

قال ابن عرفة: هذا عام مخصوص بالعادة فالشريفة التي ليس من عادتها الإرضاع لا يطلب ذلك منها. ونص الأصوليون على صحة التخصيص بالعادة.

واعتبره مالك في حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا، فخصصه بالماء دون الطعام لان العادة تحفّظ النّاس على الطعام، فالغالب أنّ الكلب لا يصل إليه بخلاف الماء.

قال ابن عطية: فإن مات الأب ولا مال للابن، فذكر مالك في المدونة أنّ الرضاع لازم للأم بخلاف النفقة. وفي كتاب (ابن) الجلاب: رضاعه في بيت المال.

وقال عبد الوهاب: هو من فقراء المسلمين.

قال ابن عرفة: هذان يرجعان إلى قول واحد، لأن الفقر يستدعي الإعطاء من بيت المال.

قال ابن عطية: وانتزع مالك وجماعة من العلماء من هذه الآية أنّ الرّضاعة المحرمة الجارية مجرى النّسب إنّما هي ما كان في الحولين لأن بانقضاء الحولين تمت الرضاعة فلا رضاعة.

قال ابن عرفة: من يطالعه يتوهم (قصد) التحريم على الرّضاع في الحولين.

وفي المدونة: ولا يحرم رضاع الكبير إلاّ ما قارب الحولين ولم يفصل مثل شهر أو شهرين، وأما لو فصل بعد الحولين وبعد حول حتى استغنى بالطعام فلا يحرم ما رضع بعد ذلك.

قال ابن عرفة: فالرضاع فيما زاد على الحولين بقربهما ينشر الحرمة.

قال ابن عطية: وروي عن قتادة أنه نزل أولا: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } ثم نسخت بقوله تعالى: { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ }.

ابن عطية: وهذا القول متداع (مبتدع).

قال ابن عرفة: أي متناف لأن الشيء إنما ينسخ بنقيضه وما محمله عندي هنا إلا أنّه نسخ في الأخف.

قوله تعالى: { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ... }.

قال ابن عرفة: ولو قيل: نفقتهن وكسوتهن، لكان فيه حُجة لمن يقول: إن الكسوة غير داخلة في النفقة، وهي مسألة اختلف فيها الشيوخ ابن زرب وغيره من الأندلسيين.

قيل لابن عرفة: المطلقة في العدة لا كسوة لها؟

فقال: وكذلك الكسوة هنا ثابتة للزوجة على زوجها وإن لم يكن إرضاع.

قوله تعالى: { بِٱلْمَعْرُوفِ... }.

عدل بين الآباء والأبناء فلا تبالغ في طلبه و لا يقصّر هو في الإعطاء.

قوله تعالى: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا... }.

دليل على أنّ تكليف ما لا يطاق غير واقع كمذهبنا أنه جائز غير واقع.

قيل لابن عرفة: بل (هي) دليل على أنه غير جائز كمذهب المعتزلة ويكون من باب السلب والإيجاب كما تقول: الحائط لا يبصر؟

فقال: الأكثر في الكلام أن لا ينفى إلا ما هو ممكن قابل للثبوت والوقوع.

قوله تعالى: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ }.

قال ابن عطية: فِصَالا، أي فطاما. وفصاله قبل الحولين لا يكون إلاّ برضاهما وألاّ يكون على المولود فيه ضرر.

السابقالتالي
2 3