الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }

قوله تعالى: { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ... }.

قال القاضي عياض في تنبيهاته/: قيل أصله: من حاضت (السمرة) إذا خرج منها (ماء) أحمر، ولعل الشجرة إنّما شبهت بالمرأة.

قال ابن عرفة: ظاهرة أنه حقيقة فيهما.

وقال الزمخشري: في (أساس) البلاغة: من المجاز قولهم حاضت (السُّمرة) اذا خرج منها ماء أحمر.

قال ابن عرفة: وينبغي أن ينظر الأغلب، والظاهر أنه مجاز كما قال لأن مسيس الحاجة إلى الإخبار عن حيض المرأة أشد وأكثر من الإخبار عن حيض السمرة فينبغي أن يحكم بأنّه الأسبق وحيض (الشجرة) منقول عنه.

قوله تعالى: { قُلْ هُوَ أَذىً... }.

(وقال تعالى:لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً } والجامع أنّ الأذى هو الأمر المؤلم الذي) يقصد إماطته، وأتى هنا بالحكم مقرونا (بعلته) ونصوا على أنّ (الأصل تقديم العلة على المعلول) كهذه الآية، وكقولك: سهى فسجد، وزنا فرجم. وقد يجيء الحكم مذكورا قبلها (وإنّما) ذلك لأن العلة أصل في الأصل واعتبارها فرع في الأصل.

واختلفوا في الحائض إذا طهرت من الدم ولم تتطهر بالماء فالمشهور أن وطأها حرام.

وحكى القاضي عياض في الإكمال عن ابن بكير جواز وطئها ابتداء من غير كراهة.

قلت: وكذا حكى ابن العربي في الأحكام وحكى غيرهما عن ابن بكير كراهة وطئها. وقرأ أبو بكر وحمزة " حَتَّىٰ يَطَّهَرْنَ " بالتشديد واختلفوا في فهم الآية على القول المشهور، فقال بعض البيانيين: فيها حرف التقابل أي حتَّى يَطهرن وَيَتَطَهَّرْنَ فَإِذَا طَهُرنَ وَتَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنّ. مثل قول الله عز وجلّوَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ } وقول الشاعر:
وإني لَتَعْرُوني لذكراك هزة     كما انتفض العصفور بَلَّله القطر
أي: وإني لتعروني لذكراك سكون ثم يزول عنِّي فأفيق وأنتفض لها كما يعتري العصفور عندما بَلَّله القطر، فإنه يسكن ثم ينتفض وكذا قوله الآخر:
فإن كان شجوا فاعذروني على الهوى     وإن كان داء غيره فلك العذر
أي فاعذرني فلك العذر وإن كان داء غيره فاعذرني أيضا. انظر ابن الصائغ في باب المعرب والمبني.

وقال العلامة ابن رشد: في البيان والتحصيل " يَطهرن " بمعنى: يَتَطَهَّرْنَ بدليل قراءة التشديد ولو كان الأول في الدّم والثاني للماء لجاز بالاول ما لم يجز بالثاني، إذ لا يقال: لا تقم حتى يأتي زيد، فإذا أتى عمرو فافعله.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: الحجة للمشهور أنهم جعلوها كالحيض في العدة فأوجبوا لزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل بالماء فإن قيل: الله تعالى قال: " حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ". وَحَتَّى غاية لما بعدها بخلاف ما قبلها؟

فالجواب: بأنه قد يقع التّحريم بشيء آخر ولا يزول بزواله لعلة أخرى (تخلفه) كقوله تعالى في المبتوتة:فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ }

السابقالتالي
2