الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { يَسْئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ... }.

قال ابن عرفة: القتال الذي وقع منهم في الشّهر الحرام، إن كان غلطا فهو كبير موجب للإثم، وإن كان اجتهادا أجري على الخلاف في الاجتهاد هل يرفع حكم الخطأ أم لا؟ فإن قلت: لم أعيد لفظ القتال مظهرا، وهلا كان مضمرا، ولم أعيد منكرا وهلا كان معرفا؟ قيل: الجواب أنّ ذلك لاختلاف المتكلّم فالأول في الكلام السائل والثاني في كلام المسؤول.

قال الفراء وهو معطوف على كبير.

قال ابن عطية: (وهو خطأ لأنه (يؤدي) إلى أنّ قوله " وَكُفْرٌ بِهِ " معطوف على (كَبِير) فيلزم أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند الله من الكفر. وأجيب عنه بثلاثة أ وجه:

الأول: لأبي حيان أنّ الكلام تمّ عند { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وما بعده ابتداء.

الثاني: قال ابن عرفة: الكفر قسمان: صريح حقيقي وهو الكفر بالشرك، وكفر) حكمي غير صريح. فنقول: (دلت الآية) على أن القتال في الشهر الحرام كفر وإن لم يعتقد فاعله الكفر، وكذلك إخراج أهل المسجد الحرام منه كفر وإن لم يعتقده فاعله فجعل الشارع إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر إثما من الكفر الحكمي الذي نشأ عن القتال في الشهر الحرام، وهذا لا شيء فيه ولا سيما إن جعلنا الضمير في " وَكُفْرٌ بِهِ " عائدا على " عن سَبِيلِ الله ".

الجواب الثالث: لبعض الطلبة قال: أهل المسجد الحرام عام يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ولا شك أن إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام كفر وزيادة فهو أشد من الكفر بالله عز وجل فقط.

وحكى ابن عطية عن الزهري ومجاهد، أن { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } منسوخ بقول الله تعالىوَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } ورده القرطبي: بأنوَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } عام وهذا خاص، والخاص يقضي على العام.؟

وأجاب عن ذلك ابن عرفة: بأن الأصوليين قالوا: إنّ العام إذا تأخر عن الخاص فإنّه ينسخه.

قلت: قال أبو عمرو بن الحاجب ما نصه: " يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب ". أبو حنيفة والقاضي والإمام: إن كان الخاص متأخرا وإلا فالعام ناسخ، فإن جهل تساقطا.

قوله تعالى: { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ... }.

قال ابن عرفة: في (لفظها) رحمة وتفضل من الله عز وجل لأن قبلها { حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } فكان المناسب أن يقول: ومن (يُرَدّ) منكم عن دينه؛ لكنّه لو قيل هكذا لدخل في عمومه من أكره على الردة. فقال: ومن " يَرْتَدِدِ " (ليختص) الوعيد بمن ارتدّ مختارا متعمدا.

فإن قلت: هلا قيل: فَيَمُتْ وَهْوَ مرتدّ، ليناسب أوّل الآية آخرها، ويسمونه ردّ (العجز) على الصدر؟

(قال: قلت): إنّ من عادتهم يجيبون بأنه لو قيل كذلك لتناول مرتكب الكبيرة من المسلمين لأنه يصدق عليه أنّه مرتد عن دينه لقوله تعالى:

السابقالتالي
2