الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ... }.

قال ابن عطية: قال عطاء لما نزلتوَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } قال قوم: في أي ساعة ندعو؟ فنزلت.

(وروي أنّ أعرابيّا قال: يارسول الله أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت).

قال ابن عرفة: هذا يوهم اعتقاد التجسيم والجهة وهو صعب. وقد كان بعض الناس يستشكله فكنت (أقرّبه) له بالمثال، فنقول له: لو فرضنا رجلا لم يشاهد قطّ في عمره إلا الحيوان الماشي على الأرض فإنه إذا سئل عن حيوان يطير لا هو في السماء ولا هو في الأرض بل بينهما بالفضاء فإنه يظن ذلك محالا، وكذلك النملة لو كان لها عقل وسئلت عن ذلك لأحالته.

وظاهر ما ذكروا في سبب نزول هذه الآية أن لفظ " عِبَادِي " عام ولكن آخر الآية يدل على أنه خاص بالمؤمنين.

وقوله " فَإِنِّي قَرِيبٌ " قال أبو حيان: أي فاعلم أني قريب.

قال ابن عرفة: لأن الأمور الواقعة الموجودة لا يصح ترتيبها على الشّرط إلا على مَا ذكر المنطقيون في القضية الاتفاقية مثل كلّما كان الإنسان ناطقا كان الحمار ناهقا هي لا تفيد شيئا.

قوله تعالى: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ... }.

قال ابن عرفة: " أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ " فيه سؤالان:

الأول: ما الفائدة في زيادة لفظ " دعوة " مع أنه مستغنى عنه؟

قيل له: إنّه إذا أجاب الدّعوة الواحدة فأحرى أن يجيب الدّعوات (المكررة المؤكدة)؟

فقال: العكس أولى لا، إذ لا يلزم من إجابة الدعوة الواحدة إجابة الدعوات.

قال: وعادتهم يجيبون عنه بأنّ " أجاب " تطلق على (الإجابة) بالموافق والمخالف و " استجاب " خاص بالموافق، فلو قال: أُجِيبُ الدّاعِي، لأوهم العموم، وقوله " أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ " صريح في الإسعاف بالمقصود، كما نقول: أجيب طلبة فلان وأجيب دعوته، أي أسعفه بمطلوبه.

السؤال الثاني: ما الفائدة في قوله " إِذَا دَعَانِ " مع أنّه أيضا مستغنى عنه.

قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بأنّ الدّعاء على قسمين دعاء بنية وعزيمة، والداعي مستجمع لشرائطه، ودعاء دون ذلك، فأفاد قوله " إِذَا دَعَانِ " إجابة الداعي بنية وحضور. وذكروا أنّ الدّعاء على أقسام فالمستحيل عقلا والمحرم لا يجوز، وكذلك الدعاء بتحصيل الواجب لأنه من تحصيل الحاصل، وكذا قالوا في قوله تعالىوَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي المعتدي في الدعاء بالمستحيل عقلا كالدعاء بالجمع بين النقيضين وأما المحال في/ العادة كالطيران في الهواء والمشي على الماء فمنهم من أجازه ومنهم من منعه.

والمختار عندهم أنه إن كان في الداعي أهلية لذلك وقابلية له جاز له الدعاء وإلا لم يجز كدعاء شيخ ابن ثمانين سنة أن يكون فقيها عالما، ودعاء رجل من سفلة الناس بأن يكون ملكا.

السابقالتالي
2 3