الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... }.

قال ابن عرفة: تقدمها آية النبوة والرسالة في قوله تعالىإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } وآية الوحدانية في قوله تعالىوَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } فيحتمل أن يكون دليلا لهذه أو هذه.

قال ابن عطية:/ عن عطاء: قال لما نزلت الآية المقدسة بالمدينة، قال كفار قريش بمكة: ما الدّليل على هذا وما آيته وما علامته؟ فطلبوا دلالة الوحدانية فنزلت هذه الآية.

وقال سعيد بن (المسيب) رضي الله عنه: قالوا إن كان ما تقول حقا فأت بآية تدل على صدقك حتى " قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا فقيل لهم: ذلك (لكم)، ولكن إن كفروا عُذبوا فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: " دَعْنِي أدْعُهُمْ يَوْما فَيَوْما ".

قال ابن عرفة: ظاهره أنه رق لحالهم. ويحتمل أن يكون ذلك لما في سورة الأنعاموَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّاكَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } فكأنه قال: ولو حصل لهم الصّفا ذهبا فإنهم لن يؤمنوا.

قال ابن عرفة: قد تقرر الخلاف في الخلق هل هو نفس (المخلوق) وهو مذهب أهل السنة.

وإن من يقول: إنه غير نفس المخلوق يلزمه التسلسل وهو مذهب المعتزلة لأن ذلك الخلق يحتاج إلى خلق آخر لأنه يقال بماذا وجد؟ فيقول: بخلق آخر. وهل هو نفس المخلوق (أم) لا ويتسلسل. وأجابوا بأنه أمر نسبي فهو غيره ولكنه أمر نسبي ليس فيه تسلسل.

قيل لابن عرفة: والأمور النسبية عدمية والعدمية لا يصح الاحتجاج بها فكيف يستقيم الاستدلال بها في الآية؟

فقال: الاستدلال بها من حيث إضافتها إلى أمر موجود وهو المخلوق.

قيل لابن عرفة: إن الفخر ابن الخطيب احتج بها على أن الخلق غير المخلوق. قال: لأنه لا يقع الاعتبار إلا بالنظر إلى المخلوقات بعد وجودها لا بخلقها لأنه غير مرئي.

فقال: الاعتبار بها من حيث إيجادها (من) عدم وهو خلقها، أي معنى خلقها.

قال: والناس قسمان: عالم وجاهل، فالجاهل يعتبر بنفس خلقها على الجملة والعالم ينظر فيجد المعمور من الأرض أقل من الخالي بالنسبة إلى سائر الأرضين أقل، والأرضون بالنسبة إلى سماء الدنيا وما فوقها أقل، والسماء الدنيا وما فوقها بالنسبة إلى الشمس أقل، لأنها في السماء الرابعة، والشمس بالنسبة إلى السماء الّتي فوقها أقل منها.

قال ابن عرفة: وإنما جمعت السماوات وأفردت الأرضون مع أنها سبع لأنّ عدد السماوات يدرك بالرصد، وطول الأعمار، والكسوفات، وأطوال البلاد وأعراضها، وجري الكواكب، والأرضون لا طريق لنا إلى إدراكها بوجه إلا من السمع، لأن المشاهد لنا منها إنما هي أرض واحدة فأفردت بالذكر، ولذلك اختلف فيها الإمام المازري وشيخه عبدالحميد الصائغ /انتهى/.

السابقالتالي
2 3