الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

لما ذكر إنزال القرآن، وفي السورة التي قبلهااقرأ باسم ربك } [العلق: 1] ذكر هنا أن الكفار لم يكونوا منفكين عن ما هم عليه حتى جاءهم الرسول يتلو عليهم ما أنزل عليه من الصحف المطهرة التي أمر بقراءتها، وقسم الكافرين هنا إلى أهل كتاب وأهل إشراك. وقرأ بعض القراء: والمشركون رفعاً عطفاً على { الذين كفروا }. والجمهور: بالجر عطفاً على { أهل الكتـاب } ، وأهل الكتاب اليهود والنصارى، والمشركون عبدة الأوثان من العرب. وقال ابن عباس: أهل الكتاب اليهود الذين كانوا بيثرب هم قريظة والنضير وبنو قينقاع، والمشركون الذين كانوا بمكة وحولها والمدينة وحولها.

قال مجاهد وغيره: لم يكونوا منفكين عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة. وقال الفراء وغيره: لم يكونوا منفكين عن معرفة صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم والتوكف لأمره حتى جاءتهم البينة، فتفرقوا عند ذلك. وقال الزمخشري: كان الكفار من الفريقين يقولون قبل المبعث: لا ننفك مما نحن فيه من ديننا حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكى الله ما كانوا يقولونه. وقال ابن عطية: ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى، وذلك أنه يكون المراد: لم يكن هؤلاء القوم منفكين من أمر الله تعالى وقدرته ونظره لهم حتى يبعث الله تعالى إليهم رسولاً منذراً تقوم عليهم به الحجة ويتم على من آمن النعمة، فكأنه قال: ما كانوا ليتركوا سدى، ولهذا نظائر في كتاب الله تعالى، انتهى. وقيل: لم يكونوا منفكين عن حياتهم فيموتوا حتى تأتيهم البينة. والظاهر أن المعنى: لم يكونوا منفكين، أي منفصلاً بعضهم من بعض، بل كان كل منهم مقرّاً الآخر على ما هو عليه مما اختاره لنفسه، هذا من اعتقاده في شريعته، وهذا من اعتقاده في أصنامه، والمعنى أنه اتصلت مودّتهم واجتمعت كلمتهم إلى أن أتتهم البينة.

وقيل: معنى منفكين: هالكين، من قولهم: انفك صلا المرأة عند الولادة، وأن ينفصل فلا يلتئم، والمعنى: لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، انتهى. ومنفكين اسم فاعل من انفك، وهي التامة وليست الداخلة على المبتدأ والخبر. وقال بعض النحاة: هي الناقصة، ويقدر منفكين: عارفين أمر محمد صلى الله عليه وسلم، أو نحو هذا، وخبر كان وأخواتها لا يجوز حذفه لا اقتصاراً ولا اختصاراً، نص على ذلك أصحابنا، ولهم علة في منع ذلك ذكروها في علم النحو، وقالوا في قوله: حين ليس مجير، أي في الدنيا، فحذف الخبر أنه ضرورة، والبينة: الحجة الجليلة.

وقرأ الجمهور: { رسول } بالرفع بدلاً من { البينة } ، وأبيّ وعبد الله: بالنصب حالاً من البينة.

السابقالتالي
2