الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

ولما تقدّم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها، أقسم هنا بشيء من العالم العلوي والعالم والسفلي، وبما هو آلة التفكر في ذلك، وهو النفس. وكان آخر ما قبلها مختتماً بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، فاختتم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا، وفي ذلك بمآلهم في الآخرة إلى النار، وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل. وتقدم الكلام على ضحى في سورة طه عند قوله:وأن يحشر الناس ضحى } [طه: 59] وقال مجاهد: هو ارتفاع الضوء وكماله. وقال مقاتل: حرها لقولهولا تضحى } [طه: 119] وقال قتادة: هو النهار كله، وهذا ليس بجيد، لأنه قد أقسم بالنهار. والمعروف في اللغة أن الضحى هو بعيد طلوع الشمس قليلاً، فإذا زاد فهو الضحاء، بالمد وفتح الضاد إلى الزوال، وقول مقاتل تفسير باللازم. وما نقل عن المبرد من أن الضحى مشتق من الضح، وهو نور الشمس، والألف مقلوبة من الحاء الثانية؛ وكذلك الواو في ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية، لعله مختلق عليه، لأن المبرد أجل من أن يذهب إلى هذا، وهاتان مادتان مختلفتان لا تشتق إحداهما من الأخرى.

{ والقمر إذا تلاها } ، قال الحسن والفراء: تلاها معناه تبعها دأباً في كل وقت، لأنه يستضيء منها، فهو يتلوها لذلك. وقال ابن زيد: يتلوها في الشهر كله، يتلوها في النصف الأول من الشهر بالطلوع، وفي الآخر بالغروب. وقال ابن سلام: في النصف الأول من الشهر، وذلك لأنه يأخذ موضعها ويسير خلفها، إذا غابت يتبعها القمر طالعاً. وقال قتادة: إنما ذلك البدر، تغيب هي فيطلع هو. وقال الزجاج وغيره: تلاها معناه: امتلأ واستدار، وكان لها تابعاً للمنزل من الضياء والقدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر. وقيل: من أول الشهر إلى نصفه، في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو؛ وفي النصف الآخر يتحاوران، وهو أن تغرب هي فيطلع هو. وقال الزمخشري: تلاها طالعاً عند غروبها أخداً من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر.

{ والنهار إذا جلاها }: الظاهر أن مفعول جلاها هو الضمير عائد على الشمس، لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الإنجلاء. وقيل: يعود على الظلمة. وقيل: على الأرض. وقيل: على الدنيا، والذي يجلي الظلمة هو الشمس أو النهار، فإنه وإن لم تطلع الشمس لا تبقى الظلمة، والفاعل بجلاها ضمير النهار. قيل: ويحتمل أن يكون عائداً على الله تعالى، كأنه قال: والنهار إذا جلى الله الشمس، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته.

{ والليل إذا يغشاها }: أي يغشى الشمس، فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق، ونسبة ذلك إلى الليل مجاز. وقيل: الضمير عائد على الأرض، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله: { يغشاها } عائدة على الشمس.

السابقالتالي
2 3 4 5