الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } * { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } * { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } * { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } * { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

لما ذكر تعالى أمر كتاب الفجار، عقبه بذكر كتاب ضدهم ليتبين الفرق. عليون: جمع واحده عليّ، مشتق من العلو، وهو المبالغة، قاله يونس وابن جني. قال أبو الفتح: وسبيله أن يقال علية، كما قالوا للغرفة علية، فلما حذفت التاء عوضوا منها الجمع بالواو والنون. وقيل: هو وصف للملائكة، فلذلك جمع بالواو والنون. وقال الفراء: هو اسم موضوع على صفة الجمع، ولا واحد له من لفظه، كقوله: عشرين وثلاثين؛ والعرب إذا جمعت جمعاً، ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية، قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون. وقال الزجاج: أعرب هذا الاسم كإعراب الجمع، هذه قنسرون، ورأيت قنسرين. وعليون: الملائكة، أو المواضع العلية، أو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما علمته الملائكة وصلحاء الثقلين، أو علو في علو مضاعف، أقوال ثلاثة للزمخشري.

وقال أبو مسلم: { كتاب الأبرار }: كتابة أعمالهم، { لفي عليين }. ثم وصف عليين بأنه { كتاب مرقوم } فيه جميع أعمال الأبرار. وإذا كان مكاناً فاختلفوا في تعيينه اختلافاً مضطرباً رغبنا عن ذكره. وإعراب { لفي عليين } ، و { كتاب مرقوم } كإعراب { لفي سجين } ، و { كتاب مرقوم }. وقال ابن عطية: و { كتاب مرقوم } في هذه الآية خبر إن والظرف ملغى. انتهى. هذا كما قال في { لفي سجين } ، وقد رددنا عليه ذلك وهذا مثله. والمقربون هنا، قال ابن عباس وغيره: هم الملائكة أهل كل سماء، { ينظرون } ، قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: إلى ما أعد لهم من الكرامات. وقال مقاتل: إلى أهل النار. وقيل: ينظر بعضهم إلى بعض. وقرأ الجمهور: { تعرِف } بتاء الخطاب، للرسول صلى الله عليه وسلم، أو للناظر. { نضرة النعيم } ، نصباً. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة وشيبة ويعقوب والزعفراني: تعرف مبنياً للمفعول، نضرة رفعاً؛ وزيد بن عليّ: كذلك، إلا أنه قرأ: يعرف بالياء، إذ تأنيث نضرة مجازي؛ والنضرة تقدّم شرحها في قوله:نضرة وسروراً } [الإنسان: 11] { مختوم } ، الظاهر أن الرحيق ختم عليه تهمماً وتنظفاً بالرائحة المسكية، كما فسره ما بعده. وقيل: تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة. وقرأ الجمهور: { ختامه }: أي خلطه ومزاجه، قاله عبد الله وعلقمة. وقال ابن عباس وابن جبير والحسن: معناه خاتمته، أي يجد الرائحة عند خاتمة الشراب، رائحة المسك. وقال أبو عليّ: أي إبزاره المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم. وقيل: يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك. وفي الصحاح: الختام: الطين الذي يختم به، وكذا قال مجاهد وابن زيد: ختم إناؤه بالمسك بدل الطين، وقال الشاعر:
كأن مشعشعاً من خمر بصرى   نمته البحث مشدود الختام
وقرأ عليّ والنخعي والضحاك وزيد بن عليّ: وأبو حيوة وابن أبي عبلة والكسائي: خاتمه، بعد الخاء ألف وفتح التاء، وهذه بينة المعنى، إنه يراد بها الطبع على الرحيق.

السابقالتالي
2