الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

الخطاب الظاهر أنه عام، والمقصود الكفار منكر والبعث، وقفهم على قدرته تعالى. { أشد خلقاً }: أي أصعب إنشاء، { أم السماء } ، فالمسؤول عن هذا يجيب ولا بد السماء، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثيرها. ثم بين تعالى كيفية خلقها. { رفع سمكها }: أي جعل مقدارها بها في العلوّ مديداً رفيعاً مقدار خمسمائة عام، والسمك: الارتفاع الذي بين سطح السماء التي تليها وسطحها الأعلى الذي يلى ما فوقها، { فسواها }: أي جعلها ملساء مستوية، ليس فيها مرتفع ولا منخفض، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة. { وأغطش }: أي أظلم، { ليلها }. { وأخرج }: أبرز ضوء شمسها، كقوله تعالى:والشمس وضحاها } [الشمس: 1] وقولهم: وقت الضحى: الوقت الذي تشرق فيه الشمس. وأضيف الليل والضحى إلى السماء، لأن الليل ظلها، والضحى هو نور سراجها.

{ والأرض بعد ذلك }: أي بعد خلق السماء وما فعل فيها، { دحاها }: أي بسطها، فخلق الأرض ثم السماء ثم دحا الأرض. وقرأ الجمهور: { والأرض } ، { والجبال } بنصبهما؛ والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال: برفعهما؛ وعيسى: برفع الأرض. وأضيف الماء والمرعى إلى الأرض لأنهما يظهران منها. والجمهور: { متاعاً } بالنصب، أي فعل ذلك تمتيعاً لكم؛ وابن أبي عبلة: بالرفع، أي ذلك متاع. وقال الزمخشري: فإن قلت: فهلا أدخل حرف العطف على أخرج؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون معنى { دحاها }: بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها. والثاني: أن يكون أخرج حالاً بإضمار قد، كقوله:أو جاءوكم حصرت صدورهم } [النساء: 90] انتهى. وإضمار قد قول للبصريين ومذهب الكوفيين. والأخفش: أن الماضي يقع حالاً، ولا يحتاج إلى إضمار قد، وهو الصحيح. ففي كلام العرب وقع ذلك كثيراً. انتهى. { ومرعاها }: مفعل من الرعي، فيكون مكاناً وزماناً ومصدراً، وهو هنا مصدر يراد به اسم المفعول، كأنه قيل: ومرعيها: أي النبات الذي يرعى. وقدم الماء على المرعى لأنه سبب في وجود المرعى، وشمل { ومرعاها } ما يتقوت به الآدمي والحيوان وغيره، فهو في حق الآدمي استعارة، ولهذا قيل: دل الله سبحانه وتعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح، لأنه من الماء.

{ فإذا جاءت الطامة } ، قال ابن عباس والضحاك: القيامة. وقال ابن عباس أيضاً والحسن: النفخة الثانية. وقال القاسم: وقت سوق أهل الجنة إليها، وأهل النار إليها، وهو معنى قول مجاهد. { يوم يتذكر الإنسان ما سعى }: أي عمله الذي كان سعى فيه في الدنيا. وقرأ الجمهور: { وبُرِّزت } مبني للمفعول مشدد الراء، { لمن يرى } بياء الغيبة: أي لكل أحد، فيشكر المؤمن نعمة الله.

السابقالتالي
2 3