الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } * { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } * { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } * { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } * { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } * { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } * { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } * { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } * { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } * { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } * { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }

قال: { عم يتساءلون }. وقرأ الجمهور: { عم }؛ وعبد الله وأبيّ وعكرمة وعيسى: عما بالألف، وهو أصل عم، والأكثر حذف الألف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر وأضيف إليها. ومن إثبات الألف قوله:
على ما قام يشتمني لئيم   كخنزير تمرغ في رماد
وقرأ الضحاك وابن كثير في رواية: عمه بهاء السكت، أجرى الوصل مجرى الوقف، لأن الأكثر في الوقف على ما الاستفهامية هو بإلحاق هاء السكت، إلا إذا أضيفت إليها فلا بد من الهاء في الوقف، نحو: بحى مه. والاستفهام عن هذا فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب، كما تقول: أي رجل زيد؟ وزيد ما زيد، كأنه لما كان عديم النظير أو قليله خفيّ عليك جنسه فأخذت تستفهم عنه. ثم جرد العبارة عن تفخيم الشيء، فجاء في القرآن، والضمير في { يتساءلون } لأهل مكة. ثم أخبر تعالى أنهم { يتساءلون عن النبإ العظيم } ، وهو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من القرآن. وقيل: الضمير لجميع العالم، فيكون الاختلاف تصديق المؤمن وتكذيب الكافر. وقيل: المتساءل فيه البعث، والاختلاف فيه عم متعلق بيتساءلون. ومن قرأ عمه بالهاء في الوصل فقد ذكرنا أنه يكون أجرى الوصل مجرى الوقف، وعن النبأ متعلق بمحذوف، أي يتساءلون عن النبأ. وأجاز الزمخشري أن يكون وقف على عمه، ثم ابتدأ بيتسألون عن النبأ العظيم على أن يضمر لعمه يتساءلون، وحذفت لدلالة ما بعدها عليه، كشيء مبهم ثم يفسر. وقال ابن عطية: قال أكثر النحاة قوله { عن النبإ العظيم } متعلق بيتساءلون، الظاهر كأنه قال: لم يتساءلون عن النبأ العظيم؟ وقال الزجاج: الكلام تام في قوله { عم يتساءلون } ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول: يتساءلون عن النبأ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي يقتضيه الحال، والمجاورة اقتضاء بالحجة وإسراعاً إلى موضع قطعهم. وقرأ عبد الله وابن جبير: يسألون بغير تاء وشد السين، وأصله يتساءلون بتاء الخطاب، فأدغم التاء الثانية في السين. { كلا }: ردع للمتسائلين. وقرأ الجمهور: بياء الغيبة فيهما. وعن الضحاك: الأول بالتاء على الخطاب، والثاني بالياء على الغيبة. وهذا التكرار توكيد في الوعيد وحذف ما يتعلق به العلم على سبيل التهويل، أي سيعلمون ما يحل بهم.

ثم قررهم تعالى على النظر في آياته الباهرة وغرائب مخلوقاته التي ابتدعها من العدم الصرف، وأن النظر في ذلك يفضي إلى الإيمان بما جاءت به الرسل من البعث والجزاء، فقال: { ألم نجعل الأرض مهاداً } ، فبدأ بما هم دائماً يباشرونه، والمهاد: الفراش الموطأ. وقرأ الجمهور: { مهاداً }؛ ومجاهد وعيسى وبعض الكوفيين: مهداً، بفتح الميم وسكون الهاء، ولم ينسب ابن عطية عيسى في هذه القراءة.

السابقالتالي
2 3