الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } * { ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ يوماً } منصوب بتتقون، منصوب نصب المفعول به على المجاز، أي كيف تستقبلون هذا اليوم العظيم الذي من شأنه كذا وكذا؟ والضمير في { يجعل } لليوم، أسند إليه الجعل لما كان واقعاً له على سبيل المجاز. وقال الزمخشري: { يوماً } مفعول به، أي فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً؟ انتهى. وتتقون مضارع اتقى، واتقى ليس بمعنى وقى حتى يفسره به، واتقى يتعدى إلى واحد، ووقى يتعدى إلى اثنين. قال تعالى:ووقاهم عذاب الجحيم } [الدخان: 56]، ولذلك قدره الزمخشري: تقون أنفسكم يوم القيامة، لكنه ليس تتقون بمعنى تقون، فلا يتعدى بعديته، ودس في قوله: ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً الاعتزال. قال: ويجوز أن يكون ظرفاً، أي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا؟ قال: ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة؟ والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه. انتهى. وقرأ الجمهور: { يوماً } منوناً، { يجعل } بالياء؛ والجملة من قوله: { يجعل } صفة ليوم، فإن كان الضمير في { يجعل } عائداً على اليوم فواضح وهو الظاهر؛ وإن عاد على الله، كما قال بعضهم، فلا بد من حذف ضمير يعود إلى اليوم، أي يجعل فيه كقوله:يوماً لا تجزي نفس } [البقرة: 123]. وقرأ زيد بن عليّ: بغير تنوين: نجعل بالنون، فالظرف مضاف إلى الجملة، والشيب مفعول ثان ليجعل، أي يصير الصبيان شيوخاً، وهو كناية عن شدة ذلك اليوم. ويقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم إذا تفاقمت أسرعت بالشيب. قال المتنبي:
والهم يخترم الجسيم نحافة   ويشيب ناصية الصبي ويهرم
وقال قوم: ذلك حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول، كما قد يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط، كهول البحر ونحوه. وقال الزمخشري: ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الاطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة. وقال السدي: الولدان: أولاد الزنا. وقيل: أولاد المشركين، والظاهر العموم، أي يشيب الصغير من غير كبر، وذلك حين يقال لآدم: يا آدم قم فابعث بعث النار. وقيل: هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق. { السماء منفطر به } ، قال الفراء: يعني المظلة تذكر وتؤنث، فجاء منفطر على التذكير، ومنه قول الشاعر:
فلو رفع السماء إليه قوم   لحقنا بالسماء وبالسحاب
وعلى القول بالتأنيث، فقال أبو علي الفارسي: هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، وأعجاز نخل منقعر } [القمر: 20]. انتهى، يعني أنها من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وأن مفرده سماء، واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث، فجاء منفطر على التذكير.

السابقالتالي
2 3 4