الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } * { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } * { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } * { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } * { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } * { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } * { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } * { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } * { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } * { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً }

{ يا أيها المزمل } قالت عائشة والنخعي وجماعة: ونودي بذلك لأنه كان في وقت نزول الآية متزملاً بكساء. وقال قتادة: كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد. فنودي على معنى: يا أيها المستعد للعبادة. وقال عكرمة: معناه المزمل للنبوة وأعبائها، أي المشمر المجد، فعلى هذا يكون التزمل مجازاً، وعلى ما سبق يكون حقيقة. وما رووا أن عائشة رضي الله عنها سئلت: ما كان تزميله؟ قالت: كان مرطاً طوله أربع عشرة ذراعاً، نصفه عليّ وأنا نائمة، ونصفه عليه، إلى آخر الرواية؛ كذب صراح، لأن نزول { يا أيها المزمل } بمكة في أوائل مبعثة، وتزويجه عائشة كان بالمدينة.

ومناسبة هذه السورة لما قبلها: أن في آخر ما قبلهاعالم الغيب } [الجن: 26] الآيات، فأتبعه بقوله: { يا أيها المزمل } ، إعلاماً بأنه صلى الله عليه وسلم ممن ارتضاه من الرسل وخصه بخصائص وكفاه شر أعدائه.

وقرأ الجمهور: { المزمل } ، بشد الزاي وكسر الميم، أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي. وقرأ أبي: المتزمل على الأصل؛ وعكرمة: بتخفيف الزاي. أي المزمل جسمه أو نفسه. وقرأ بعض السلف: بتخفيف الزاي وفتح الميم، أي الذي لف. وللزمخشري في كيفية نداء الله له بهذا الوصف كلام ضربت عن ذكره صفحاً، فلم أذكره في كتابي. وقال السهيلي: ليس المزمل باسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام يعرف به، وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب، والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب تترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ كرم الله وجهه وقد نام ولصق بجنبه التراب: " قم أبا تراب " ، إشعاراً بأنه ملاطف له، فقوله: { يا أيها المزمل } فيه تأنيس وملاطفة.

وقرأ الجمهور: { قم الليل } ، بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين؛ وأبو السمال: بضمها اتباعا للحركة من القاف. وقرىء: بفتحها طلباً للتخفيف. قال ابن جني: الغرض بالحركة الهروب من التقاء الساكنين، فبأي حركة تحرك الحرف حصل الغرض، وقم طلب. فقال الجمهور: هو على جهة الندب، وقيل: كان فرضاً على الرسول خاصة، وقيل: عليه وعلى الجميع. قال قتادة: ودام عاماً أو عامين. وقالت عائشة: ثمانية أشهر، ثم رحمهم الله فنزلت: { إن ربك يعلم } الآيات، فخفف عنهم { قم الليل إلا قليلاً }. بين الاستثناء أن القيام المأمور به يستغرق جميع الليل، ولذلك صح الاستثناء منه، إذ لو كان غير مستغرق، لم يصح الاستثناء منه، واستغراق جميعه بالقيام على الدوام غير ممكن، لذلك استثى منه لراحة الجسد؛ وهذا عند البصريين منصوب على الظرف، وإن استغرقه الفعل؛ وهو عند الكوفيين مفعول به. وفي قوله: { إلا قليلاً } دليل على أن المستثنى قد يكون مبهم المقدار، كقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6