الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

{ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً } الظاهر النهي عن القعود بكل طريق لهم عن ما كانوا يفعلونه من إيعاد الناس وصدّهم عن طريق الدّين، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدّي: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه على نحو ما كانت تفعله قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال السدّي: هذا نهي العشارين والمتقبلين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل، وقال أبو هريرة: هو نهي عن السّلب وقطع الطريق وكان ذلك من فعلهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت ليلة أسري بي خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته فقلت ما هذا يا جبريل فقال هذا مثل لقوم من أمّتك يقعدون على الطريق فيقطعونه " ثم تلا { ولا تقعدوا بِكل صراط توعدون } وفي هذا القول والقول الذي قبله مناسبة لقوله { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } لكن لا تظهر مناسبة لهما بقوله { وتصدون عن سبيل الله من آمن به } بل ذلك يناسب القول الأول قال القرطبي: قال علماؤنا ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعاً من الوظائف الماليّة بالقهر والجبر وضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله من الزكاة والمواريث والملاهي والمترتّبون في الطرق إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود وعمل به في سائر البلاد وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها فإنه غضب وظلم وعسف على الناس وإذاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه وإقرار له وأعظمه تضمين الشرع والحكم للقضاء فإنا لله وإنا إليه راجعون، لم يبق من الإسلام إلا رسمه ولا من الدّين إلا اسمه انتهى كلامه. وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والأعراض بالدماء في قوله في حجة الوداع: " ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حراماً " وما أكثر ما تساهل الناس في أخذ الأموال وفي الغيبة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد " والعجب إطباق من يتظاهر بالصلاح والدين والعلم على عدم إنكار هذه المكوس والضمانات وادعاء بعضهم أنه له تصرف في الوجود ودلال على الله تعالى بحيث إنه يدعو فيستجاب له فيما أراد ويضمن لمن كان من أصحابه وأتباعه الجنة وهو مع ذلك يتردّد لأصحاب المكوس ويتذلل إليهم في نزع شيء حقير وأخذه من المكس الذي حصّلوه وهذه وقاحة لا تصدر ممن شمّ رائحة الإيمان ولا تعلق بشيء من الإسلام، وقال بعض الشعراء:

السابقالتالي
2 3 4