الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَاقَّةُ } * { مَا ٱلْحَآقَّةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } * { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } * { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } * { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } * { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } * { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ } * { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } * { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } * { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } * { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } * { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } * { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } * { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ }

{ الحاقة }: المراد بها القيامة والبعث، قاله ابن عباس وغيره، لأنها حقت لكل عامل عمله. وقال ابن عباس وغيره: لأنها تبدي حقائق الأشياء. وقيل: سميت بذلك لأن الأمر يحق فيها، فهي من باب ليل نائم. والحاقة اسم فاعل من حق الشيء إذا ثبت ولم يشك في صحته. وقال الأزهري: حاققته فحققته أحقه: أي غالبته فغلبته. فالقيامة حاقة لأنها تحقق كل محاق في دين الله بالباطل، أي كل مخاصم فتغلبه. وقيل: الحاقة مصدر كالعاقبة والعافية، والحاقة مبتدأ، وما مبتدأ ثان، والحاقة خبره، والجملة خبر عن الحاقة، والرابط تكرار المبتدأ بلفظه نحو: زيد ما زيد، وما استفهام لا يراد حقيقته بل التعظيم، وأكثر ما يربط بتكرار المبتدأ إذا أريد، يعني التعظيم والتهويل. { وما أدراك ما الحاقة }: مبالغة في التهويل، والمعنى أن فيها ما لم يدر ولم يحط به وصف من أمورها الشاقة وتفصيل أوصافها. وما استفهام أيضاً مبتدأ، و { أدراك } الخبر، والعائد على ما ضمير الرفع في { أدراك } ، وما مبتدأ، والحاقة خبر، والجملة في موضع نصب بأدراك، وأدراك معلقة. وأصل درى أن يعدى بالباء، وقد تحذف على قلة، فإذا دخلت همزة النقل تعدى إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر، فقوله: { ما الحاقة } بعد أدراك في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر.

والقارعة من أسماء القيامة، لأنها تقرع القلوب بصدمتها. وقال الزمخشري: تقرع الناس بالأقراع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار؛ فوضع الضمير ليدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدّتها. ولما ذكرها وفخمها، أتبع ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم. انتهى.

وقرأ الجمهور: { فأهلكوا }: رباعياً مبنياً للمفعول؛ وزيد بن عليّ: فهلكوا مبنياً للفاعل. قال قتادة: بالطاغية: بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة. وقال مجاهد وابن زيد: بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها. وقال ابن عباس وابن زيد أيضاً وأبو عبيدة ما معناه: الطاغية مصدر كالعاقبة، فكأنه قال: بطغيانهم، ويدل عليهكذبت ثمود بطغواها } [الشمس: 11] وقيل: الطاغية: عاقر الناقة، والهاء فيه للمبالغة، كرجل راوية، وأهلكوا كلهم لرضاهم بفعله. وقيل: بسبب الفئة الطاغية. واختار الطبري وغيره أن الطاغية هي الصيحة، وترجيح ذلك مقابله سبب الهلاك في ثمود بسبب الهلاك في عاد، وهو قوله: { بريح صرصر } ، وتقدّم القول في { صرصر } في سورة القمر، { عاتية }: عتت على خزانها فخرجت بغير مقدار، أو على عاد فما قدروا على أن يتستروا منها، أو وصفت بذلك استعارة لشدّة عصفها، والتسخير هو استعمال الشيء باقتدار عليه. فمعنى { سخرها عليهم }: أي أقامها وأدامها، { سبع ليال }: بدت عليهم صبح الأربعاء لثمان بقين من شوّال إلى آخر الأربعاء تمام الشهر، { حسوماً } ، قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأبو عبيدة: تباعاً لم يتخللها انقطاع.

السابقالتالي
2 3 4 5