الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } * { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } * { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } * { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

تقدم الكلام في لا قبل القسم في قوله:فلا أقسم بمواقع النجوم } [الواقعة: 75] وقراءة الحسن: لأقسم بجعلها لا ما دخلت على أقسم. وقيل: لا هنا نفي للقسم، أي لا يحتاج في هذا إلى قسم لوضوح الحق في ذلك، وعلى هذا فجوابه جواب القسم. قال مقاتل: سبب ذلك أن الوليد قال: إن محمداً ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال: كاهن. فردّ الله عليهم بقوله: { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } ، عام في جميع مخلوقاته. وقال عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة. وقيل: { وما لا تبصرون }: الملائكة. وقيل: الأجساد والأرواح. { أنه }: أي إن القرآن، { لقول رسول كريم }: هو محمد صلى الله عليه وسلم في قول الأكثرين، ويؤيده: { وما هو بقول شاعر } وما بعده، ونسب القول إليه لأنه هو مبلغه والعامل به. وقال ابن السائب ومقاتل وابن قتيبة: هو جبريل عليه السلام، إذ هو الرسول عن الله.

ونفى تعالى أن يكون قول شاعر لمباينته لضروب الشعر؛ ولا قول كاهن لأنه ورد بسبب الشياطين. وانتصب { قليلاً } على أنه صفة لمصدر محذوف أو لزمان محذوف، أي تؤمنون إيماناً قليلاً أو زماناً قليلاً. وكذا التقدير في: { قليلاً ما تذكرون } ، والقلة هو إقرارهم إذا سئلوا من خلقهم قالوا الله. وقال ابن عطية: ونصب { قليلاً } بفعل مضمر يدل عليه { تؤمنون } ، وما تحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة. ويحتمل أن تكون ما مصدرية، والمتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي، لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئاً، إذ كانوا يصدقون أن الخير والصلة والعفاف الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق صواب. انتهى. أمّا قوله: ونصب قليلاً بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون فلا يصح، لأن ذلك الفعل الدال عليه { تؤمنون } إما أن تكون ما نافية أو مصدرية، كما ذهب إليه. فإن كانت نافية، فذلك الفعل المضمر الدال عليه تؤمنون المنفي بما يكون منفياً، فيكون التقدير: ما تؤمنون قليلاً ما تؤمنون، والفعل المنفي بما لا يجوز حذفه ولا حذف ما لا يجوز زيداً ما أضربه، على تقدير ما أضرب زيداً ما أضربه، وإن كانت مصدرية كانت ما في موضع رفع على الفاعلية بقليلاً، أي قليلاً إيمانكم، ويبقى قليلاً لا يتقدمه ما يعتمد عليه حتى يعمل ولا ناصب له؛ وإما في موضع رفع على الابتداء، فيكون مبتدأ لا خبر له، لأن ما قبله منصوب لا مرفوع. وقال الزمخشري: والقلة في معنى العدم، أي لا تؤمنون ولا تذكرون البتة، والمعنى: ما أكفركم وما أغفلكم. انتهى. ولا يراد بقليلاً هنا النفي المحض، كما زعم، وذلك لا يكون إلا في أقل نحو: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد، وفي قل نحو: قلّ رجل يقول ذلك إلا زيد.

السابقالتالي
2 3