الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } * { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } * { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } * { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } * { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } * { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } * { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } * { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } * { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } * { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } * { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } * { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } * { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ }

أما: حرف تفصيل فصل بها ما وقع في يوم العرض. ويظهر أن من قضى عليه دخول النار من الموحدين، أنه في يوم العرض يأخذ كتابه بيمينه مع الناجين من النار، ويكون ذلك يأنس به مدة العذاب. وقيل: لا يأخذه حتى يخرج من النار، وإيمانه أنيسه مدة العذاب. قيل: وهذا يظهر لأن من يسار به إلى النار كيف يقول: { هاؤم اقرؤا كتابيه }؟ وهل هذا إلا استبشار وسرور؟ فلا يناسب دخول النار. وهاؤم إن كان مدلولها خذ، فهي متسلطة على كتابيه بغير واسطة، وإن كان مدلولها تعالوا، فهي متعدية إليه بواسطة إلى، وكتابيه يطلبه هاؤم واقرؤا. فالبصريون يعملون اقرؤا، والكوفيون يعملون هاؤم، وفي ذلك دليل على جواز التنازع بين اسم الفعل والقسم. وقرأ الجمهور: { كتابيه } ، و { حسابيه } في موضعيهما و { ماليه } و { سلطانيه } ، وفي القارعة: { ماهيه } بإثبات هاء السكت وقفاً ووصلاً لمراعاة خط المصحف. وقرأ ابن محيصن: بحذفها وصلاً ووقفاً وإسكان الياء، وذلك كتابي وحسابي ومالي وسلطاني، ولم ينقل ذلك فيما وقفت عليه فيماهيه } [القارعة: 10] في القارعة؛ وابن أبي إسحاق والأعمش: بطرح الهاء فيهما في الوصل لا في الوقف، وطرحهما حمزة في مالي وسلطاني وما هي في الوصل لا في الوقف، وفتح الياء فيهن. وما قاله الزهراوي من أن إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عند أحد علمته ليس كما قال، بل ذلك منقول نقل التواتر فوجب قبوله.

{ إني ظننت }: أي أيقنت، ولو كان ظناً فيه تجويز لكان كفراً. { فهو في عيشة راضية }: ذات رضا. وقال أبو عبيدة والفراء: راضية مرضية كقوله:من ماء دافق } [الطارق: 6] أي مدفوق. { في جنة عالية }: أي مكاناً وقدراً. { قطوفها }: أي ما يجني منها، { دانية }: أي قريبة التناول يدركها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها. { كلوا واشربوا }: أي يقال، و { هنيئاً } ، تقدم الكلام عليه في أول النساء. وقال الزمخشري: هنيئاً أكلاً وشرباً هنيئاً، أو هنيتم هنيئاً على المصدر. انتهى فقوله: أكلاً وشرباً هنيئاً يظهر منه جعل هنيئاً صفة لمصدرين، ولا يجوز ذلك إلا على تقدير الإضمار عند من يجيز ذلك، أي أكلاً هنيئاً وشرباً هنيئاً. { بما أسلفتم }: أي قدمتم من العمل الصالح، { في الأيام الخالية }: يعني أيام الدنيا. وقال مجاهد وابن جبير ووكيع وعبد العزيز بن رفيع: أيام الصوم، أي بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله تعالى. والظاهر العموم في قوله: { بما أسلفتم }: أي من الأعمال الصالحة.

{ يا ليتني لم أوت كتابيه }: لما رأى فيه قبائح أفعاله وما يصير أمره إليه، تمنى أنه لم يعطه، وتمنى أنه لم يدر حسابه، فإنه انجلى عنه حسابه عن ما يسوءه فيه، إذ كان عليه لا له.

السابقالتالي
2 3 4