الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } * { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }

قرأ نافع وأبو عمرو والبزي: { أأمنتم } بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، وأدخل أبو عمرو وقالون بينهما ألفاً، وقنبل: بإبدال الأولى واواً لضمة ما قبلها، وعنه وعن ورش أوجه غير هذه؛ والكوفيون وابن عامر بتحقيقهما. { من في السماء }: هذا مجاز، وقد قام البرهان العقلي على أن تعالى ليس بمتحيز في جهة، ومجازه أن ملكوته في السماء لأن في السماء هو صلة من، ففيه الضمير الذي كان في العامل فيه، وهو استقر، أي من في السماء هو، أي ملكوته، فهو على حذف مضاف، وملكوته في كل شيء. لكن خص السماء بالذكر لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأمره ونهيه، أو جاء هذا على طريق اعتقادهم، إذ كانوا مشبهة، فيكون المعنى: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء؟ وهو المتعالي عن المكان. وقيل: من على حذف مضاف، أي خالق من في السماء. وقيل: من هم الملائكة. وقيل: جبريل، وهو الملك الموكل بالخسف وغيره. وقيل: من بمعنى على، ويراد بالعلو القهر والقدرة لا بالمكان، وفي التحرير: الاجماع منعقد على أنه ليس في السماء بمعنى الاستقرار، لأن من قال من المشبهة والمجسمة أنه على العرش لا يقول بأنه في السماء. { أن يخسف بكم الأرض } وهو ذهابها سفلاً، { فإذا هي تمور }: أي تذهب أو تتموج، كما يذهب التراب في الريح. وقد تقدم شرح الحاصب في سورة الإسراء، والنذير والنكير مصدران بمعنى الإنذار والإنكار، وقال حسان بن ثابت:
فأنذر مثلها نصحاً قريشا   من الرحمن إن قبلت نذيرا
وأثبت ورش ياء نذيري ونكيري، وحذفها باقي السبعة. ولما حذرهم ما يمكن إحلاله بهم من الخسف وإرسال الحاصب، نبههم على الاعتبار بالطير وما أحكم من خلقها، وعن عجز آلهتهم عن شيء من ذلك، وناسب ذلك الاعتبار بالطير، إذ قد تقدمه ذكر الحاصب، وقد أهلك الله أصحاب الفيل بالطير والحاصب الذي رمتهم به، ففيه إذكار قريش بهذه القصة، وأنه تعالى لو شاء لأهلكهم بحاصب ترمي به الطير، كما فعل بأصحاب الفيل. { صافات }: باسطة أجنحتها صافتها حتى كأنها ساكنة، { ويقبضن }: ويضممن الأجنحة إلى جوانبهن، وهاتان حالتان للطائر يستريح من إحداهما إلى الأخرى. وعطف الفعل على الاسم لما كان في معناه، ومثله قوله تعالى:فالمغيرات صبحاً فأثرن } [العاديات: 3 - 4] عطف الفعل على الاسم لما كان المعنى: فاللاتي أغرن صبحاً فأثرن، ومثل هذا العطف فصيح، وعكسه أيضاً جائز إلا عند السهيلي فإنه قبيح، نحو قوله:
بات يغشيها بغضب باتر   يقصد في أسوقها وجائر
أي: قاصد في أسوقها وجائر. وقال الزمخشري: { صافـات }: باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفاً، { ويقبضن }: ويضمنها إذا ضربن بها جنوبهن.

السابقالتالي
2 3