الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } * { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

{ يا أيها النبي }: نداء للنبي صلى الله عليه وسلم، وخطاب على سبيل التكريم والتنبيه، { إذا طلقتم }: خطاب له عليه الصلاة والسلام مخاطبة الجمع على سبيل التعظيم، أو لأمته على سبيل تلوين الخطاب، أقبل عليه السلام أولاً، ثم رجع إليهم بالخطاب، أو على إضمار القول، أي قل لأمتك إذا طلقتم، أو له ولأمته، وكأنه ثم محذوف تقديره: يا أيها النبي وأمة النبي إذا طلقتم، فالخطاب له ولهم، أي أنت وأمتك، أقوال. وقال الزمخشري: خص النبي صلى الله عليه وسلم، وعمّ بالخطاب، لأن النبي إمام إمته وقدوتهم. كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت، إظهاراً لتقدمه واعتباراً لترؤسه، وأنه مدره قومه ولسانهم، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه، فكان هو وحده في حكم كلهم، وساداً مسد جميعهم. انتهى، وهو كلام حسن.

ومعنى { إذا طلقتم }: أي إذا أردتم تطليقهن، والنساء يعني: المدخول بهن، وطلقوهن: أي أوقعوا الطلاق، { لعدتهن }: هو على حذف مضاف، أي لاستقبال عدّتهن، واللام للتوقيت، نحو: كتبته لليلة بقيت من شهر كذا، وتقدير الزمخشري هنا حالاً محذوفة يدل عليها المعنى يتعلق بها المجرور، أي مستقبلات لعدتهن، ليس بجيد، لأنه قدر عاملاً خاصاً، ولا يحذف العامل في الظرف والجار والمجرور إذا كان خاصاً، بل إذا كان كوناً مطلقاً. لو قلت: زيد عندك أو في الدار، تريد: ضاحكا عندك أو ضاحكا في الدار، لم يجز. فتعليق اللام بقوله: { فطلقوهن } ، ويجعل على حذف مضاف هو الصحيح.

وما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين، رضي الله تعالى عنهم، من أنهم قرأوا: فطلقوهن في قبل عدتهن؛ وعن بعضهم: في قبل عدّتهن؛ وعن عبد الله: لقبل طهرهن، هو على سبيل التفسير، لا على أنه قرآن، لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقاً وغرباً، وهل تعتبر العدة بالنسبة إلى الأطهار أو الحيض؟ تقدم ذلك في البقرة في قوله:ثلاثة قروء } [البقرة: 228] والمراد: أن يطلقهن في طهر لم يجامعهن فيه، ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، فإن شاء ردها، وإن شاء أعرض عنها لتكون مهيأة للزوج؛ وهذا الطلاق أدخل في السنة. وقال مالك: لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة، وكره الثلاث مجموعة أو مفرقة. وأبو حنيفة كره ما زاد على الواحدة في طهر واحد، فأما مفرقاً في الأطهار فلا. وقال الشافعي: لا بأس بإرسال الطلاق الثلاث، ولا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح، راعى في السنة الوقت فقط، وأبو حنيفة التفريق والوقت.

وقوله: { فطلقوهن } مطلق، لا تعرض فيه لعدد ولا لوصف من تفريق أو جمع؛ والجمهور: على أنه لو طلق لغير السنة وقع. وعن ابن المسيب وجماعة من التابعين: أنه لو طلق في حيض أو ثلاث، لم يقع.

السابقالتالي
2 3