الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } * { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } * { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

{ قالوا نشهد }: يجري مجرى اليمين، ولذلك تلقى بما يتلقى به القسم، وكذا فعل اليقين. والعلم يجري مجرى القسم بقوله: { إنك لرسول الله } وأصل الشهادة أن يواطىء اللسان القلب هذا بالنطق، وذلك بالاعتقاد؛ فأكذبهم الله وفضحهم بقوله: { والله يشهد إن المنـافقين لكاذبون }: أي لم تواطىء قلوبهم ألسنتهم على تصديقك، واعتقادهم أنك غير رسول، فهم كاذبون عند الله وعند من خبر حالهم، أو كاذبون عند أنفسهم، إذ كانوا يعتقدون أن قولهم: { إنك لرسول الله } كذب. وجاء بين شهادتهم وتكذيبهم قوله تعالى: { والله يعلم إنك لرسوله } ، إيذاناً أن الأمر كما لفظوا به من كونه رسول الله حقاً. ولم تأت هذه الجملة لتوهم أن قولهم هذا كذب، فوسطت الأمر بينهما ليزول ذلك التوهم. { اتخذوا أيمانهم }: سمى شهادتهم تلك أيماناً. وقرأ الجمهور: أيمانهم، بفتح الهمزة جمع يمين؛ والحسن: بكسرها، مصدر آمن. ولما ذكر أنهم كاذبون، أتبعهم بموجب كفرهم، وهو اتخاذ أيمانهم جنة يستترون بها، ويذبون بها عن أنفسهم وأموالهم، كما قال بعض الشعراء:
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا   لصون دمائهم أن لا تسالا
ومن أيمانهم أيمان عبد الله، ومن حلف معه من قومه أنه ما قال ما نقله زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلوا تلك الأيمان جنة تقي من القتل، وقال أعشى همدان:
إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة   من المال سار القوم كل مسير
وقال الضحاك: اتخذوا حلفهم بالله أنهم لمنكم. وقال قتادة: كلما ظهر شيء منهم يوجب مؤاخذتهم، حلفوا كاذبين عصمة لأموالهم ودمائهم. وقال السدي: { جنة } من ترك الصلاة عليهم إذا ماتوا، { فصدوا }: أي أعرضوا وصدوا اليهود والمشركين عن الدخول في الإسلام، { ذلك } أي ذلك الحلف الكاذب والصد المقتضيان لهم سوء العمل بسبب أيمانهم ثم كفرهم. وقال ابن عطية: ذلك إشارة إلى فعل الله بهم في فضيحتهم وتوبيخهم، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سوء ما عملوا، فالمعنى: ساء عملهم بأن كفروا. وقال الزمخشري: ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالاً بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا، أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستخفاف بالإيمان، أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا. وقرأ الجمهور: { فطبع } مبنياً للمفعول؛ وزيد بن علي: مبنياً للفاعل: أي فطبع الله؛ وكذا قراءة الأعمش وزيد في رواية مصرحاً بالله. ويحتمل على قراءة زيد الأولى أن يكون الفاعل ضميراً يعود على المصدر المفهوم من ما قبله، أي فطبع هو، أي بلعبهم بالدين. ومعنى { آمنوا }: نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل المسلمون، { ثم كفروا }: أي ظهر كفرهم بما نطقوا به من قولهم: لئن كان محمد ما يقوله حقاً فنحن شر من الحمير، وقولهم: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر؟ هيهات، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين وبالكفر عند شياطينهم، أو ذلك فيمن آمن ثم ارتد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6