الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } * { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } * { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } * { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

التضرّع: تَفَعُّل من الضراعة وهي الذلة، يقال: ضرع يضرع ضراعة، قال الشاعر:
ليبك يزيدَ ضارع لخصومة   ومختبطٌ مما تطيح الطوائح
أي ذليل ضعيف. صدف عن الشيء أعرض عنه صدفاً وصدوفاً، وصادفته لقيته عن إعراض عن جهته قال ابن الرقاع:
إذا ذكرن حديثاً قلن أحسنه   وهنَّ عن كل سوء يتقى صدف
صدف جمع صدوف، كصبور وصبر. وقيل: صدف مال مأخوذ من الصدف في البعير، وهو أن يميل خفه من اليد إلى الرجل من الجانب الوحشيّ، والصدفة واحدة الصدف وهي المحارة التي يكون فيها الدر. قال الشاعر:
وزادها عجباً أن رحت في سمك   وما درت دورانَ الدرِّ في الصَّدف
الخزانة ما يحفظ فيه الشيء مخافة أن ينال، ومنه " فإنما يخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته " وهي بفتح الخاء. وقال الشاعر:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه   فليس على شيء سواه بخزّان
الطرد الإبعاد بإهانة والطريد المطرود، وبنو مطرود وبنو طراد فخذان من إياد.

{ إنما يستجيب الذين يسمعون } إنما يستجيب للإيمان الذين يسمعون سماع قبول وإصغاء كما قال:إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [ق: 37] ويستجيب بمعنى يجيب. وفرّق الرماني بين أجاب واستجاب بأن استجاب فيه قبول لما دعي إليه. قال:فاستجاب لهم ربهم } [آل عمران: 195]فاستجبنا له ونجيناه من الغم } [الأنبياء: 88] وليس كذلك أجاب لأنه قد يجيب بالمخالفة.

قال الزمخشري يعني أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع كقولهإنك لا تسمع الموتى } [الروم: 52] وقال ابن عطية هذا من النمط المتقدم في التسلية، أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يفهمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول فعبر عن ذلك كله بيسمعون. إذ هو طريق العلم بالنبوة والآيات المعجزة. وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغاً شافياً قالوا استمع { والموتى يبعثهم الله } الظاهر أن هذه جملة مستقلة من مبتدأ وخبر، والظاهر أن الموت هنا والبعث حقيقة وذلك إخبار من الله تعالى أن الموتى على العموم من مستجيب وغير مستجيب، يبعثهم الله فيجازيهم على أعمالهم وجاء لفظ الموتى عاماً لإشعار ما قبله بالعموم في قوله { إنما يستجيب الذين يسمعون } إذ الحصر يشعر بالقسم الآخر وهو أن من لا يسمع سماع قبول، لا يستجيب للإيمان وهم الكفار. وصار في الإخبار عن الجميع بالبعث والرجوع إلى جزاء الله تعالى، تهديد ووعيد شديد لمن لم يستحب وتظافرت أقوال المفسرين أن قوله والموتى يراد به الكفار. سموا بالموتى كما سموا بالصمِّ والبكم والعمي وتشبيه الكافر بالميت من حيث إنّ الميت جسده خالٍ عن الروح، فيظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد