الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ قل لمن ما في السماوات والأرض قل الله } لما ذكر تعالى تصريفه فيمن أهلكهم بذنوبهم، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بسؤالهم ذلك فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك لله تعالى فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك. وقيل: في الكلام حذف تقديره فإذا لم يجيبوا { قل لله } وقال قوم: المعنى أنه أمر بالسؤال فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم { قل لله } ولله خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو لله. { كتب على نفسه الرحمة } لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد، ودل ذلك على نفاذ قدرته أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق وظاهر كتب أنه بمعنى سطر وخط، وقال به قوم هنا وأنه أريد حقيقة الكتب والمعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ. وقيل: { كتب } هنا بمعنى وعد بها فضلاً وكرماً. وقيل: بمعنى أخبر. وقيل: أوجب إيجاب فضل وكرم لا إيجاب لزوم. وقيل: قضاها وأنفذها. وقال الزمخشري: أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض، انتهى. و { الرحمة } هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن والمسيء في الدنيا، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا. وقيل: الألف واللام للعهد، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها الله تعالى من المائة { الرحمة } التي خلقها وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة. وقال الزجاج: { الرحمة } إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا، فلم يعاجلهم على كفرهم. وقيل: { الرحمة } لمن آمن وصدق الرسل. وفي صحيح مسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي.

{ ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر وأن فيه المجازاة على الخير والشر، وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرناه. وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا: إنها تفسير للرحمة تقديره: أن يجمعكم، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من { الرحمة } وهو مثل قولهثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه } [يوسف: 35] المعنى أن يسجنوه، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال: وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم، انتهى. وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحداً مما ذكر نحو قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3