الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }

{ للفقراء } ، قال الزمخشري: بدل من قوله: { ولذي القربى } ، والمعطوف عليه والذي منع الإبدال من { لله وللرسول } ، والمعطوف عليهما، وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله عز وجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله: { وينصرون الله ورسوله } ، وأنه يترفع برسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسمية بالفقير، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وعلا. انتهى. وإنما جعله الزمخشري بدلاً من قوله: { ولذي القربى } ، لأنه مذهب أبي حنيفة، والمعنى إنما يستحق ذو القربى الفقير. فالفقر شرط فيه على مذهب أبي حنيفة، ففسره الزمخشري على مذهبه. وأما الشافعي، فيرى أن سبب الاستحقاق هو القرابة، فيأخذ ذو القربى الغني لقرابته.

وقال ابن عطية: { للفقراء المهاجرين } بيان لقوله: { والمساكين وابن السبيل } ، وكررت لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام، ليبين بين الأغنياء منكم، أي ولكن يكون للفقراء. انتهى. ثم وصف تعالى المهاجرين بما يقتضي فقرهم ويوجب الإشفاق عليهم. { أولئك هم الصادقون }: أي في إيمانهم وجهادهم قولاً وفعلاً. والظاهر أن قوله: { والذين تبوؤا } معطوف على المهاجرين، وهم الأنصار، فيكون قد وقع بينهم الاشتراك فيما يقسم من الأموال. وقيل: هو مستأنف مرفوع بالابتداء، والخبر { يحبون }. أثنى الله تعالى بهذه الخصال الجليلة، كما أثنى على المهاجرين بقوله: { يبتغون فضلاً } الخ، والإيمان معطوف على الدار، وهي المدينة، والإيمان ليس مكاناً فيتبوأ. فقيل: هو من عطف الجمل، أي واعتقدوا الإيمان وأخلصوا فيه، قاله أبو عليّ، فيكون كقوله:
عـلفتها تبنـاً ومـاء بـارداً   
أو يكون ضمن { تبوؤا } معنى لزموا، واللزوم قدر مشترك في الدار والإيمان، فيصح العطف. أو لما كان الإيمان قد شملهم، صار كالمكان الذي يقيمون فيه، لكن يكون ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز. قال الزمخشري: أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه؛ أو سمى المدينة، لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان. وقال ابن عطية: والمعنى تبوؤا الدار مع الإيمان معاً، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله: { من قبلهم } فتأمله. انتهى. ومعنى { من قبلهم }: من قبل هجرتهم، { حاجة }: أي حسداً، { مما أوتوا }: أي مما أعطي المهاجرون، ونعم الحاجة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في إعطاء المهاجرين من أموال بني النضير والقرى.

{ ويؤثرون على أنفسهم }: من ذلك قصة الأنصاري مع ضيف الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث لم يكن لهم إلا ما يأكل الصبية، فأوهمهم أنه يأكل حتى أكل الضيف، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: " عجب الله من فعلكما البارحة " ، فالآية مشيرة إلى ذلك.

السابقالتالي
2 3 4