الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ بين يدي نجواكم }: استعارة, والمعنى: قبل نجواكم. وعن ابن عباس وقتادة: أن قوماً من المؤمنين وأغفالهم كثرت مناجاتهم للرسول عليه الصلاة والسلام في غير جاحة إلا لتظهر منزلتهم, وكان صلى الله عليه وسلم سمحاً لا يرد أحداً, فنزلت مشددة عليهم أمر المناجاة. وهذا الحكم قيل: نسخ قبل العمل به. وقال قتادة: عمل به ساعة من نهار. وقال مقاتل: عشرة أيام. وقال عليّ, كرم الله وجهه: ما عمل به أحد غيري, أردت المناجاة ولي دينار, فصرفته بعشرة دراهم, وناجيت عشر مرار, أتصدق في كل مرة بدرهم, ثم ظهرت مشقة ذلك على الناس, فنزلت الرخصة في ترك الصدقة. وقرىء: صدقات بالجمع. وقال ابن عباس: هي منسوخة بالآية التي بعدها. وقيل بآية الزكاة. { أأشفقتم }: أخفتم من ذهاب المال في الصدقة, أو من العجز عن وجودها تتصدقون به؟ { فإذ لم تفعلوا }: ما أمرتم به, { وتاب الله عليكم }: عذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوا, فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وأفعال الطاعات.

{ الذين تولوا }: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود، عن السدي ومقاتل، " أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أزرق أسمر قصيراً، خفيف اللحية، فقال عليه الصلاة والسلام: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام له: «فعلت»، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه " ، فنزلت. والضمير في { مـا هم } عائد على { الذين تولوا } ، وهم المنافقون: أي ليسوا منكم أيها المؤمنون، { ولا منهم }: أي ليسوا من الذين تولوهم، وهم اليهود. وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما قال عليه الصلاة والسلام: " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه " وقال ابن عطية: يحتمل تأويلاً آخر، وهو أن يكون قوله: { مـا هم } يريد به اليهود، وقوله: { ولا منهم } يريد به المنافقين، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن، لأنهم تولوا مغضوباً عليهم، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً. انتهى. والظاهر التأويل الأول، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم. والضمير في { ويحلفون } عائد عليهم، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف. وعلى هذا التأويل يكون { مـا هم } استئنافاً، وجاز أن يكون حالاً من ضمير { تولوا }. وعلى احتمال ابن عطية، يكون { مـا هم } صفة لقوم. { ويحلفون على الكذب } ، إما أنهم ما سبوا، كما روي في سبب النزول، أو على أنهم مسلمون. والكذب هو ما ادعوه من الإسلام. { وهم يعلمون }: جملة حالية يقبح عليهم، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا، فالمعنى: وهم عالمون متعمدون له.

السابقالتالي
2 3