الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }

لما ذكر تعالى تسبيح العالم له، وما احتوى عليه من الملك، والتصرف، وما وصف به نفسه من الصفات العلا، وختمها بالعالم بخفيات الصدور، أمر تعالى عباده المؤمنين بالثبات على الإيمان وإدامته، والنفقة في سبيل الله تعالى. قال الضحاك: نزلت في غزوة تبوك. { مستخلفين فيه }: أي ليست لكم بالحقيقة، وإنما انتقلت إليكم من غيركم. وكما وصلت إليكم تتركونها لغيركم، وفيه تزهيد فيما بيد الناس، إذ مصيره إلى غيره، وليس له منه إلا ما جاء في الحديث: " يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت " وقيل لأعرابي: لمن هذه الإبل؟ فقال: هي لله تعالى عندي. أو يكون المعنى: إنه تعالى أنشأ هذه الأموال، فمتعكم بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى.

ثم ذكر تعالى ما للمؤمن المنفق من الأجر، ووصفة بالكرم ليصرعه في أنواع الثواب. قيل: وفيه إشارة إلى عثمان بن عفان، حيث بذل تلك النفقة العظيمة في جيش العسرة، ثم قال: { وما لكم لا تؤمنون بالله } ، وهو استفهام على سبيل التأنيب والإنكار: أي كيف لا تثبتون على الإيمان؟ ودواعي ذلك موجودة، وذلك ركزة فيكم من دلائل العقل. وموجب ذلك من السمع في قوله: { والرسول يدعوكم } لهذا الوصف الجليل. وقد تقدم أخذ الميثاق عليكم بالإيمان، فدواعي الإيمان موجودة، وأسبابه حاصلة، فلا مانع منه، ولا عذر في تركه. و { لا تؤمنون } حال، كما تقول: ما لك لا تقوم تنكر عليه انتفاء قيامه؟ { والرسول }: الواو واو الحال، فالجملة بعده حال، وقد أخذ حال ثالثة، وهذا الميثاق قيل: هو الذي أخذ عليهم حين الإخراج من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام. وقيل: ما نصب من الأدلة وركز في العقول من النظر فيها.

{ إن كنتم مؤمنين }: شرط وجوابه محذوف، أي إن كنتم مؤمنين لموجب مّا، فهذا هو الموجب لإيمانكم، أو إن كنتم ممن يؤمن، فما لكم لا تؤمنون والحالة هذه؟ وهي دعاء الرسول وأخذ الميثاق. وقال الطبري: إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن. وقرأ الجمهور: { وقد أخذ } مبنياً للفاعل، { ميثاقكم } بالنصب؛ وأبو عمرو: مبنياً للمفعول، ميثاقكم رفعاً. وقال ابن عطية: في قوله: { إن كنتم مؤمنين } وإنما المعنى أن قوله: { والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } يقتضي أن يقدر بأثره، فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة. { إن كنتم مؤمنين }: أي إن دمتم على ما بدأتم به.

ولما ذكر توطئة ما يوجب الإيمان دعاء الرسول إياهم للإيمان، ذكر أنه تعالى هو المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ما دعا به إلى الإيمان، وذلك الآيات البينات المعجزات، ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، أي الله تعالى، إذ هو المخبر عنه، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه أقرب.

السابقالتالي
2 3