الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } * { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } * { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قرأ الجمهور: { فلا أقسم } ، فقيل: لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله:لئلا يعلم أهل الكتاب } [الحديد: 29] والمعنى: فاقسم. وقيل: المنفي المحذوف، أي فلا صحة لما يقول الكفار. ثم ابتدأ أقسم، قاله سعيد بن جبير وبعض النحاة؛ ولا يجوز، لأن في ذلك حذف اسم لا وخبرها، وليس جواباً لسائل سأل، فيحتمل ذلك، نحو قوله { لا } لمن قال: هل من رجل في الدار؟ وقيل: توكيد مبالغة ما، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم، إلا في شائع الكلام القسم وغيره، ومنه.
فـلا وأبـي أعـدائها لا أخـونها   
والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها، فتولدت منها ألف، كقوله:
أعـوذ بالله مـن العقـراب   
وهذا وإن كان قليلاً، فقد جاء نظيره في قوله:فاجعل أفئدة من الناس } [إبراهيم: 37] بياء بعد الهمزة، وذلك في قراءة هشام، فالمعنى: فلأقسم، كقراءة الحسن وعيسى، وخرج قراءة الحسن أبو الفتح على تقدير مبتدأ محذوف، أي فلأنا أقسم، وتبعه على ذلك الزمخشري. وإنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال، وفي القسم عليه خلاف. فالذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه، فاحتاجوا إلى أن يصوروا المضارع خبراً لمبتدأ محذوف، فتصير الجملة اسمية، فيقسم عليها. وذهب بعض النحويين إلى أن جواز القسم على فعل الحال، وهذا الذي اختاره فتقول: والله ليخرج زيد، وعليه قول الشاعر:
ليعلـم ربـي أن بيتـي واسـع   
وقال الزمخشري: في قراءة الحسن، ولا يصح أن تكون اللام لام قسم لأمرين، أحدهما: أن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة، والإخلال بها ضعيف قبيح؛ والثاني: أن لأفعلنّ في جواب القسم للاستقبال، وفعل القسم يجب أن يكون للحال. انتهى. أما الأمر الأول ففيه خلاف، فالذي قاله قول البصريين، وأما الكوفيون فيختارون ذلك، ولكن يجيزون تعاقبهما، فيجيزون لأضربن زيداً، واضربن عمراً. وأما الثاني فصحيح، لكنه هو الذي رجح عندنا أن تكون اللام في لا أقسم لام القسم، وأقسم فعل حال، والقسم قد يكون جواباً للقسم؛ كما قال تعالى:وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } [التوبة: 107] فاللام في { وليحلفن } جواب قسم، وهو قسم، لكنه لما لم يكن حلفهم حالاً، بل مستقبلاً، لزمت النون، وهي مخلصة المضارع للاستقبال. وقرأ الجمهور: { بمواقع } جمعاً؛ وعمر وعبد الله وابن عباس وأهل المدينة وحمزة والكسائي: بموقع مفرداً، مراداً به الجمع. قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم: هي نجوم القرآن التي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤيد هذا القول قوله: { إنه لقرآن } ، فعاد الضمير على ما يفهم من قوله: { بمواقع النجوم } ، أي نجوم القرآن. وقيل: النجوم: الكواكب ومواقعها. قال مجاهد وأبو عبيدة: عند طلوعها وغروبها. وقال قتادة: مواقعها: مواضعها من السماء. وقال الحسن: مواقعها عند الانكدار يوم القيامة.

السابقالتالي
2 3 4 5