الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } * { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } * { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } * { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

{ وكم }: هي خبرية، ومعناها هنا: التكثير، وهي في موضع رفع بالابتداء، والخبر { لا تغني }؛ والغنى: جلب النفع ودفع الضر، بحسب الأمر الذي يكون فيه الغنى. وكم لفظها مفرد، ومعناها جمع. وقرأ الجمهور: { شفـاعتهم } ، بإفراد الشفاعة وجمع الضمير؛ وزيد بن علي: شفاعته، بإفراد الشفاعة والضمير؛ وابن مقسم: شفاعاتهم، بجمعهما، وهو اختيار صاحب الكامل، أي القاسم الهذلي. وأفردت الشفاعة في قراءة الجمهور لأنها مصدر، ولأنهم لو شفع جميعهم لواحد، لم تغن شفاعتهم عنه شيئاً. فإذا كانت الملائكة المقربون لا تغني شفاعتهم إلا بعد إذن الله ورضاه، أي يرضاه أهلاً للشفاعة، فكيف تشفع الأصنام لمن يعبدها؟ ومعنى { تسمية الأنثى }: كونهم يقولون إنهم بنات الله، { والذين لا يؤمنون بالآخرة }: هم العرب منكرو البعث. { وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً }: أي ما يدركه العلم لا ينفع فيه الظن، وإنما يدرك بالعلم واليقين. قيل: ويحتمل أن يكون المراد بالحق هنا هو الله تعالى، أي الأوصاف الإلهية لا تستخرج بالظنون، ويدل عليه ذلك بأن الله هو الحق.

{ فأعرض عن من تولى عن ذكرنا } ، موادعة منسوخة بآية السيف. { ولم يرد إلا الحياة الدنيا }: أي لم تتعلق إرادته بغيرها، فليس له فكر في سواها، كالنضر بن الحارث والوليد بن المغيرة. والذكر هنا: القرآن، أو الإيمان، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أقوال. { عن من تولى عن ذكرنا }: هو سبب الأعراض، لأن من لا يصغي إلى قول، كيف يفهم معناه؟ فأمر صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن من هذه حاله، ثم ذكر سبب التولي عن الذكر، وهو حصر إرادته في الحياة الدنيا. فالتولي عن الذكر سبب للإعراض عنهم، وإيثار الدنيا سبب التولي عن الذكر، وذلك إشارة إلى تعلقهم بالدنيا وتحصيلها. { مبلغهم }: غايتهم ومنتهاهم من العلم، وهو ما تعلقت به علومهم من مكاسب الدنيا، كالفلاحة والصنائع، لقوله تعالى:يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } [الروم: 7] ولما ذكر ما هم عليه، أخبر تعالى بأنه عالم بالضال والمهتدي، وهو مجازيهما. وقال الزمخشري: وقوله: { ذلك مبلغهم من العلم }: اعتراض. انتهى، وكأنه يقول: هو اعتراض بين { فأعرض } وبين { إن ربك } ، ولا يظهر هذا الذي يقوله من الاعتراض. وقيل: ذلك إشارة إلى جعلهم الملائكة بنات الله. وقال الفراء: صغر رأيهم وسفه أحلامهم، أي غاية عقولهم ونهاية علومهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. وقيل: ذلك إشارة إلى الظن، أي غاية ما يفعلون أن يأخذوا بالظن. وقوله: { إن ربك هو أعلم } في معرض التسلية، إذ كان من خلقه عليه الصلاة والسلام الحرص على إيمانهم، وفي ذلك وعيد للكفار، ووعد للمؤمنين.

{ ولله ما في السمـاوات وما في الأرض }: أخبر أن من في العالم العلوي والعالم السفلي ملكه تعالى، يتصرف فيهما بما شاء.

السابقالتالي
2 3