الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } * { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ }

{ أفعيينا بالخلق الأول }: وهو إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج، وتقدم تفسير عيي في قوله تعالى:ولم يعي بخلقهن } [الأحقاف: 33]. وقرأ الجمهور: أفعيينا، بياء مكسورة بعدها ياء ساكنة، ماضي عيي، كرضي. وقرأ ابن أبي عبلة، والوليد بن مسلم، والقورصبي عن أبي جعفر، والسمسار عن شيبة، وأبو بحر عن نافع: بتشديد الياء من غير إشباع في الثانية، هكذا قال أبو القاسم الهذلي في كتاب الكامل. وقال ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات له: أفعينا بتشديد الياء. ابن أبي عبلة، وفكرت في توجيه هذه القراءة، إذ لم يذكر أحد توجيهها، فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي، فقال: عي في عيـي، وحي في حيـي. فلما أدغم، ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه، ولم يفك الإدغام فقال: عيناً، وهي لغة لبعض بكر بن وائل، يقولون في رددت ورددنا: ردت وردنا، فلا يفكون، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشدّدة مفتوحة. فلو كان نا ضمير نصب، لاجتمعت العرب على الإدغام، نحو: ردّنا زيد. وقال الحسن: الخلق الأول آدم عليه السلام، والمعنى: أعجزنا عن الخلق الأول، فنعجز عن الخلق الثاني، وهذا توقيف للكفار، وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم. { بل هم في لبس }: أي خلط وشبهة وحيرة، ومنه قول علي: يا جار إنه لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله. { من خلق جديد }: أي من البعث من القبور.

{ ولقد خلقنا الإنسان }: هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث، والإنسان إسم جنس. وقيل: آدم. { ونحن أقرب }: قرب علم به وبأحواله، لا يخفى عليه شيء من خفياته، فكأن ذاته قريبة منه، كما يقال: الله في كل مكان، أي بعلمه، وهو منزه عن الأمكنة. و { حبل الوريد }: مثل في فرط القرب، كقول العرب: هو مني مقعد القابلة، ومقعد الإزار. قال ذو الرمة:
والمـوت أدنـى لـي مـن الوريـد   
والحبل: العرق الذي شبه بواحد الحبال، وإضافته إلى الوريد للبيان، كقولهم: بعير سانية. أو يراد حبل العاتق، فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد، والعامل في إذ أقرب. وقيل: اذكر، قيل: ويحسن تقدير اذكر، لأنه أخبر خبراً مجرداً بالخلق والعلم بخطرات الأنفس، والقرب بالقدرة والملك. فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر، وتعين وروده عند السامع. فمنها: { إذ يتلقى المتلقيان } ، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها: النفخ في الصور، ومنها: مجيء كل نفس معها سائق وشهيد. والمتلقيان: الملكان الموكلان بكل إنسان؛ ملك اليمين يكتب الحسنات، وملك الشمال يكتب السيئآت. وقال الحسن: الحفظة أربعة، اثنان بالنهار واثنان بالليل. وقعيدة: مفرد، فاحتمل أن يكون معناه: مقاعد، كما تقول: جليس وخليط: أي مجالس ومخالط، وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة، كعليم.

السابقالتالي
2 3