الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } * { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

{ قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً } لما بين تعالى بدليل النقل والعقل انتفاء الإلهية عن عيسى، وكان قد توعدهم ثم استدعاهم للتوبة وطلب الغفران، أنكر عليهم ووبخهم من وجه آخر وهو عجزه وعدم اقتداره على دفع ضرر وجلب نفع، وأنّ مَن كان لا يدفع عن نفسه حريّ أن لا يدفع عنكم. والخطاب للنصارى، نهاهم عن عبادة عيسى وغيره، وأن ما يعبدون من دون الله مساويهم في العجز وعدم القدرة. والمعنى: ما لا يملك لكم إيصال خير ولا نفع. قيل: وعبر بما تنبيهاً على أول أحواله، إذْ مرّت عليه أزمان حالة الحمل لا يوصف بالعقل فيها، ومن هذه صفته فكيف يكون إلهاً، أو لأنها مبهمة كما قال سيبويه. وما: مبهمة تقع على كل شيء، أو أريد به ما عبد من دون الله ممن يعقل، وما لا يعقل. وعبر بما تغليباً لغير العاقل، إذ أكثر ما عبد من دون الله هو ما لا يعقل كالأصنام والأوثان، أو أريد النوع أي: النوع الذي لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً كقوله:فانكحوا ما طاب لكم من النساء } [النساء: 3] أي النوع الطيب، ولما كان إشراكهم بالله تضمن القول والاعتقاد جاء الختم بقوله:

{ والله هو السميع العليم } أي السميع لأقوالكم، العليم باعتقادكم وما انطوت عليه نياتكم. وفي الإخبار عنه بهاتين الصفتين تهديد ووعيد على ما يقولونه ويعتقدونه، وتضمنت الآية الإنكار عليهم حيث عبدوا من دونه من هو متصف بالعجز عن دفع ضرر أو جلب نفع. قيل: ومن مرّت عليه مدد لا يسمع فيها ولا يعلم، وتركوا القادر على الإطلاق السميع للأصوات العليم بالنيات.

{ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق } ظاهره نداء أهل الكتاب الحاضرين زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتناول من جاء بعدهم. ولما سبق القول في أباطيل اليهود وأباطيل النصارى، جمع الفريقان في النهي عن الغلوّ في الدين. وانتصب غير الحق وهو الغلو الباطل، وليس المراد بالدين هنا ما هم عليه، بل المراد الدين الحق الذي جاء به موسى وعيسى. قال الزمخشري: الغلو في الدين غلوان: غلو حق، وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد، وغلو باطل وهو أن يجاوز الحق ويتعداه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعل أهل الأهواء والبدع انتهى. وأهل العدل والتوحيد هم أئمة المعتزلة، وأهل الأهواء والبدع عنده هم أهل السنة، ومن عدا المعتزلة. ومن غلو اليهود إنكار نبوة عيسى، وادعاؤهم فيه أنه الله. ومن غلوّ النصارى ما تقدّم من اعتقاد بعضهم فيه أنه الله، وبعضهم أنه أحد آلهة ثلاثة.

السابقالتالي
2 3 4 5