الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } * { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ }

كان المؤمنون حريصين على ظهور الإسلام وعلو كلمته وتمني قتل العدو، وكانوا يستأنسون بالوحي، ويستوحشون إذا أبطأ. والله تعالى قد جعل ذلك باباً ومضروبة لا يتعدى. فمدح تعالى المؤمنين بطلبهم إنزال سورة، والمعنى تتضمن أمرنا بمجاهدة العدو، وفضح أمر المنافقين. والظاهر أن ظاني ذلك هم خلص في إيمانهم، ولذلك قال بعد { رأيت الذين في قلوبهم مرض }. وقال الزمخشري: كانوا يدعون الحرص على الجهاد، ويتمنونه بألسنتهم، ويقولون: { لولا نزلت سورة } في معنى الجهاد. { فإذا أنزلت } ، وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه، كاعوا وشق عليهم وسقطوا في أيديهم، كقوله:فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس } [النساء: 77]. انتهى؛ وفيه تخويف لما يدل عليه لفظ القرآن و { لولا }: بمعنى هلا؛ وعن أبي مالك: لا زائدة، والتقدير: لو نزلت، وهذا ليس بشيء. وقرىء: فإذا نزلت. وقرأ زيد بن علي: سورة محكمة، بنصبهما، ومرفوع نزلت بضم، وسورة نصب على الحال. وقرأ هو وابن عمر: { وذكر } مبنياً للفاعل، أي الله. { فيها القتال } ونصب. الجمهور: برفع سورة محكمة على أنه مفعول لم يسم فاعله، وبناء وذكر للمفعول، والقتال رفع به، وإحكامها كونها لا تنسخ. قال قتادة: كل سورة فيها القتال، فهي محكمة من القرآن، لا بخصوصية هذه الآية، وذلك أن القتال نسخ ما كان من المهادنة والصلح، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. وقيل: محكمة بالحلال والحرام. وقيل: محكمة أريدت مدلولات ألفاظها على الحقيقة دون المتشابه الذي أريد به المجاز، نحو قوله:على العرش استوى } [طه: 5]،في جنب الله } [الزمر: 56]، { فضرب الرقاب }.

{ رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك }: أي تشخص أبصارهم جبناً وهلعاً. { نظر المغشي عليه }: أي نظراً كما ينظر من أصابته الغشية من أجل حلول الموت. وقيل: يفعلون ذلك، وهو شخوص البصر إلى الرسول من شدة العداوة. وقيل: من خشية الفضيحة، فإنهم إن يخالفوا عن القتال افتضحوا وبان نفاقهم. وأولى لهم: تقدم شرحه في المفردات. وقال قتادة: كأنه قال: العقاب أولى لهم. وقيل: وهم المكروه، وأولى وزنها أفعل أو أفلع على الاختلاف، لأن الاستفعال الذي ذكرناه في المفردات. فعلى قول الجمهور: إنه اسم يكون مبتدأ، والخبر لهم. وقيل: أولى مبتدأ، ولهم من صلته وطاعة خبر؛ وكأن اللام بمعنى الباء، كأنه قيل: فأولى بهم طاعة. ولم يتعرض الزمخشري لإعرابه، وإنما قال: ومعناه الدعاء عليهم بأن يليه المكروه. وعلى قول الأصمعي: أنه فعل يكون فاعله مضمراً يدل عليه المعنى. وأضمر لكثرة الاستعمال كأنه قال: قارب لهم هو، أي الهلاك. قال ابن عطية: والمشهور من استعمال العرب أولى لك فقط على جهة الحذف والاختصار، لما معها من القوة، فيقول، على جهة الزجر والتوعد: أولى لك يا فلان.

السابقالتالي
2 3 4 5