الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } * { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

هذه السورة مكية. وعن ابن عباس وقتادة، أن: { قل أرأيتم إن كان من عند الله }. و { فاصبر كما صبر } ، الآيتين مدنيتان. ومناسبة أولها لما قبلها، أن في آخر ما قبلها:ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً } [الجاثية: 35]، وقلتم: إنه عليه الصلاة والسلام اختلقها، فقال تعالى: { حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم }. وهاتان الصفتان هما آخر تلك، وهما أول هذه. { وأجل مسمى }: أي موعد لفساد هذه البنية. قال ابن عباس: هو القيامة؛ وقال غيره: أي أجل كل مخلوق. { عن ما أنذروا }: يحتمل أن تكون ما مصدرية، وأن تكون بمعنى الذي. { قل أرأيتم ما تدعون }: معناه أخبروني عن الذين تدعون من دون الله، وهي الأصنام. { أروني ماذا خلقوا من الأرض }: استفهام توبيخ، ومفعول أرأيتم الأول هو ما تدعون. وماذا خلقوا: جملة استفهامية يطلبها أرأيتم، لأن مفعولها الثاني يكون استفهاماً، ويطلبها أروني على سبيل التعليق، فهذا من باب الإعمال، أعمل الثاني وحذف مفعول أرأيتم الثاني. ويمكن أن يكون أروني توكيداً لأرأيتم، بمعنى أخبروني، وأروني: أخبروني، كأنهما بمعنى واحد.

وقال ابن عطية: يحتمل أرأيتم وجهين: أحدهما: أن تكون متعدية، وما مفعولة بها؛ ويحتمل أن تكون أرأيتم منبهة لا تتعدى، وتكون ما استفهاماً على معنى التوبيخ، وتدعون معناه: تعبدون. انتهى. وكون أرأيتم لا تتعدى، وأنها منبهة، فيه شيء؛ قاله الأخفش في قوله:قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } [الكهف: 63]. والذي يظهر أن ما تدعون مفعول أرأيتم، كما هو في قوله:قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون } [فاطر: 40] في سورة فاطر؛ وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة فيها. وقد أمضى الكلام في أرأيتم في سورة الأنعام، فيطالع هناك: و { من الأرض } ، تفسير للمبهم في: { ماذا خلقوا }. والظاهر أنه يريد من أجزاء الأرض، أي خلق ذلك إنما هو لله، أو يكون على حذف مضاف، أي من العالي على الأرض، أي على وجهها من حيوان أو غيره. ثم وقفهم على عبارتهم فقال: { أم لهم }: أي: بل.

{ أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا }: أي من قبل هذا الكتاب، وهو القرآن، يعني أن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وبإبطال الشرك، وكل كتب الله المنزلة ناطقة بذلك؛ فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة غير الله. { أو أثارة من علم } ، أي بقية من علم، أي من علوم الأولين، من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من شحم، أو على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب. والأثارة تستعمل في بقية الشرف؛ يقال: لبني فلان أثارة من شرف، إذا كانت عندهم شواهد قديمة، وفي غير ذلك قال الراعي:
وذات أثارة أكلت علينا   نباتاً في أكمته قفارا

السابقالتالي
2 3 4 5