الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

لما ذكر تعالى إنعامه على بني إسرائيل واختلافهم بعد ذلك، ذكر حال نبيه عليه الصلاة والسلام وما منّ به عليه من اصطفائه فقال: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء }. قال قتادة: الشريعة: الأمر، والنهي، والحدود، والفرائض. وقال مقاتل: البينة، لأنها طريق إلى الحق. وقال الكلبي: السنة، لأنه كان يستن بطريقة من قبله من الأنبياء. وقال ابن زيد: الدّين، لأنه طريق إلى النجاة. والشريعة في كلام العرب: الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه، ومنه قول الشاعر:
وفي الشرائع من جيلان مقتص   رث الثياب خفي الشخص منسرب
فشريعة الدّين من ذلك، من حيث يرد الناس أمر الله ورحمته والقرب منه، من الأمور التي من دين الله الذي بعثه في عباده في الزمان السالف؛ أو يكون مصدر أمر، أي من الأمر والنهي، وسمي النهي أمراً. { أهواء الذين لا يعلمون } ، قيل: جهال قريظة والنضير. وقيل: رؤساء قريش، حين قالوا: أرجع إلى دين آبائك. { هذا بصائر }: أي هذا القرآن؛ جعل ما نافية من معالم الدين، بصائر للقلوب، كما جعل روحاً وحياة. وقرىء: هذى، أي هذه الآيات. { أم حسب }: أم منقطعة تتقدر ببل والهمزة، وهو استفهام إنكار. وقال الكلبي: نزلت في عليّ، وحمزة، وعبيدة بن الحارث، وفي عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة. قالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء، ولئن كان ما تقولون حقاً، لحالنا أفضل من حالكم في الآخرة؛ كما هو أفضل في الدنيا. واجترحوا: اكتسبوا، والسيئات: هنا سيئات الكفر؛ ونجعلهم: نصيرهم، والمفعول الثاني هو كالذين، وبه تمام المعنى. وقرأ الجمهور: سواء بالرفع، ومماتهم بالرفع أيضاً؛ وأعربوا سواء: مبتدأ، وخبره ما بعده، ولا مسوغ لجواز الابتداء به، بل هو خبر مقدم، وما بعده المبتدأ. والجملة خبر مستأنف؛ واحتمل الضمير في { محياهم ومماتهم } أن يعود على { الذين اجترحوا } ، أخبر أن حالهم في الزمانين سواء، وأن يعود على المجترحين والصالحين بمعنى: أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء في إهانتهم عند الله وعدم كرامتهم عليه، ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى، وذهن السامع يفرقه، إذ قد تقدم إبعاد الله أن يجعل هؤلاء كهؤلاء. قال أبو الدرداء: يبعث الناس على ما ماتوا عليه. وقال مجاهد: المؤمن يموت مؤمناً ويبعث مؤمناً، والكافر يموت كافراً ويبعث كافراً.

وقال ابن عطية: مقتضى هذا الكلام أنه لفظ الآية؛ ويظهر لي أن قوله: { سواء محياهم ومماتهم } داخل في المحسنة المنكرة السيئة، وهذا احتمال حسن، والأول أيضاً أجود. انتهى. ولم يبين كيفية تشبث الجملة بما قبلها حتى يدخل في المحسنة. وقال الزمخشري: والجملة التي هي: سواء محياهم ومماتهم، بدل من الكاف، لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً؛ فكانت في حكم المفرد.

السابقالتالي
2 3 4 5