الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

مناسبة هذه الآية لما قبلها من وجهين: أحدهما: أنه لما تقدم طعن قريش على الرسول، واختيارهم أن ينزل القرآن على رجل من القريتين عظيم، أي في الجاه والمال؛ وذكر أن مثل ذلك سبقهم إليه فرعون في قوله: { أليس لي ملك مصر }؟ إلى آخر الآية، أتبعه بالملك والمال، ففرعون قدوتهم في ذلك، ومع ذلك، فصار فرعون مقهوراً مع موسى منتقماً منه، فكذلك قريش. والوجه الثاني: أنه لما قال: { واسأل من أرسلنا } الآية، ذكر وقته موسى وعيسى، وهما أكبر إتباعاً ممن سبقهم من الأنبياء، وكل جاء بالدعاء إلى الله وإفراده بالعبادة، فلم يكن فيما جاء أبداً إباحة اتخاذ آلهة من دون الله، كما اتخذت قريش، فناسب ذكر قصتهما للآية التي قبلها. وآيات موسى هي المعجزات التي أتى بها. وخص الملائكة بالذكر، وهم الأشراف لأن غيرهم من الناس تبع لهم.

{ فلما جاءهم بآياتنا } ، قبله كلام محذوف تقديره: فطالبوه بما يدل على صحة دعواه الرسالة من الله. { فلما جاءهم بآياتنا } ، وهي انقلاب العصا ثعباناً وعودها عصاً، وإخراج اليد البيضاء نيرة، وعودها إلى لونها الأول، { إذا هم منها يضحكون } ، أي فاجأهم الضحك بحيث لم يفكروا ولم يتأملوا، بل بنفس ما رأوا ذلك ضحكوا سخرية واستهزاء، كما كانت قريش تضحك. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة؟ قلت: لأن فعل المفاجأة معها مقدر، وهو عامل النصب في محلها، كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجؤا وقت ضحكهم. انتهى. ولا نعلم نحوياً ذهب إلى ما ذهب إليه هذا الرجل، من أن إذا الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر تقديره فاجأ، بل المذاهب فيها ثلاثة: مذهب أنها حرف، فلا تحتاج إلى عامل، ومذهب أنها ظرف مكان، فإن صرح بعد الاسم بعدها بخبر له كان ذلك الخبر عاملاً فيها نحو: خرجت فإذا زيد قائم، فقائم ناصب لإذا، كأن التقدير: خرجت ففي المكان الذي خرجت فيه زيد قائم؛ ومذهب أنها ظرف زمان، والعامل فيه الخبر أيضاً، كأنه قال: ففي الزمان الذي خرجت فيه زيد قائم، وإن لم يذكر بعد الاسم خبر، أو ذكر اسم منصوب على الحال، كانت إذا خبراً للمبتدأ. فإن كان المبتدأ جثة، وقلنا إذا ظرف مكان، كان الأمر واضحاً؛ وإن قلنا ظرف زمان، كان الكلام على حذف، أي ففي الزمان حضور زيد. وما ادعاه الزمخشري من إضمار فعل المفاجأة، لم ينطق به ولا في موضع واحد. ثم المفاجأة التي ادعاها لا يدل المعنى على أنها تكون من الكلام السابق، بل المعنى يدل على أن المفاجأة تكون من الكلام الذي فيه إذا. تقول: خرجت فإذا الأسد، والمعنى: ففاجأني الأسد، وليس المعنى: ففاجأت الأسد.

السابقالتالي
2 3 4 5