الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } * { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ أم لهم شركاء }: استفهام تقرير وتوبيخ. لما ذكر تعالى أنه شرع للناس { ما وصى به نوحاً } الآية، أخذ ينكر ما شرع غيره تعالى. والشركاء هنا يحتمل أن يراد به شركاؤهم في الكفر، كالشياطين والمغوين من الناس. والضمير في شرعوا عائد على الشركاء، والضمير في لهم عائد على الكفار المعاصرين للرسول؛ ويحتمل أن يراد به الأصنام والأوثان وكل من جعلوه شريكاً لله. وأضيف الشركاء إليهم لأنهم متخذوها شركاء لله، فتارة تضاف إليهم بهذه الملابسة، وتارة إلى الله. والضمير في شرعوا يحتمل أن يعود على الشركاء، ولهم عائد على الكفار، لما كانت سبباً لضلالهم وافتتانهم جعلت شارعة لدين الكفر، كما قال إبراهيم عليه السلام:رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } [إبراهيم: 36]. واحتمل أن يعود على الكفار، ولهم عائد على الشركاء، أي شرع الكفار لأصنامهم ومعبوداتهم، أي رسموا لهم غواية وأحكاماً في المعتقدات، كقولهم: إنهم آلهة، وإن عبادتهم تقربهم إلى الله؛ ومن الأحكام البحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك. { ولولا كلمة الفصل }: أي العدة بأن الفصل في الآخرة، أو لولا القضاء بذلك لقضي بين المؤمن والكافر، أو بين المشركين وشركائهم. وقرأ الجمهور: { إن الظالمين } ، بكسر الهمزة على الاستئناف والإخبار، بما ينالهم في الدنيا من القتل والأسر والنهب، وفي الآخرة النار. وقرأ الأعرج، ومسلم بن جندب: وأن بفتح الهمزة عطفاً على كلمة الفصل، فهو في موضع رفع، أي ولولا كلمة الفصل وكون الظالمين لهم عذاب في الآخرة، لقضي بينهم في الدنيا وفصل بين المتعاطفين بجواب لولا، كما فصل في قوله:ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى } [طه: 129].

{ ترى الظالمين }: أي تبصر الكافرين لمقابلته بالمؤمنين، { مشفقين }: خائفين الخوف الشديد، { مما كسبوا } من السيئات، { وهو }: أي العذاب، أو يعود على ما كسبوا على حذف مضاف: أي وبال كسبوا من السيآت، أو جزاؤه حال بهم، { وهو واقع }: فإشفاقهم هو في هذه الحال، فليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة. ولما كانت الروضات أحسن ما في الجنات وأنزهها وفي أعلاها، ذكر أن المؤمنين فيها. واللغة الكثيرة تسكين الواو في روضات، ولغة هذيل بن مدركة فتح الواو إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات، ولم يقرأ أحد ممن علمناه بلغتهم. وعند ظرف، قال الحوفي: معمول ليشاءون. وقال الزمخشري: منصوب بالظرف لا يشاءون. انتهى، وهو الصواب. ويعني بالظرف: الجار والمجرور، وهو لهم في الحقيقة غير معمول للعامل في لهم، والمعنى: ما يشاءون من النعيم والثواب، مستقر لهم. { عند ربهم }: والعندية عندية المكانة والتشريف، لا عندية المكانة.

وقرأ الجمهور: { يبشر } بتشديد الشين، من بشر؛ وعبد الله بن يعمر، وابن أبي إسحق، والجحدري، والأعمش، وطلحة في رواية، والكسائي، وحمزة: يبشر ثلاثياً؛ ومجاهد، وحميد بن قيس: بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر، وهو معدى بالهمزة من بشر اللازم المكسور الشين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6