الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } * { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }

لما ذكر تعالى { من عمل صالحاً } الآية، كان في ذلك دلالة على الجزاء يوم القيامة، وكأن سائلاً قال: ومتى ذلك؟ فقيل: لا يعلمها إلا الله، ومن سئل عنها فليس عنده علم بتعين وقتها، وإنما يرد ذلك إلى الله. ثم ذكر سعة علمه وتعلقه بما لا يعلمه إلا هو تعالى. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، والحسن بخلاف عنه؛ ونافع، وابن عامر، في غير رواية: أي جلية؛ والمفضل، وحفص، وابن مقسم: { من ثمرات } على الجمع. وقرأ باقي السبعة، والحسن في رواية طلحة والأعمش: بالإفراد. ولما كان ما يخرج من أكمام الشجرة وما تحمل الإنات وتضعه هو إيجاد أشياء بعد العدم، ناسب أن يذكر مع علم الساعة، إذ في ذلك دليل على البعث، إذ هو إعادة بعد إعدام، وناسب ذكر أحوال المشركين في ذلك اليوم، وسؤالهم سؤال الوتبيخ فقال: { ويوم يناديهم أين شركائي }: أي الذين نسبتموهم إليّ وزعمتم أنهم شركاء لي، وفي ذلك تهكم بهم وتقريع. والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير الله، فيندرج فيه عباد الأوثان. { قالوا آذناك }: أي أعلمناك، قال الشاعر:
آذنتنا ببينها أسماء   رب ثاو يملّ منه الثواء
وقال ابن عباس: أسمعناك، كأنه استبعد الإعلام لله، لأن أهل القيامة يعلمون أن الله يعلم الأشياء علماً واجباً، فالإعلام في حقه محال. والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين، لأنهم المحدث معهم. { ما منا } أحد اليوم، وقد أبصرنا وسمعنا. يشهد أن لك شريكاً، بل نحن موحدون لك، وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ. وقيل: الضمير في قالوا عائد على الشركاء، أي قالت الشركاء: { ما منا من شهيد } بما أضافوا إلينا من الشرك، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام. والجملة من قوله: { ما منا من شهيد } في موضع المفعول. وفي تعليق باب أعلم رأينا خلافه، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب. والظاهر أن قولهم: { آذناك } إنشاء، كقولك: أقسمت لأضربن زيداً، وإن كان إخباراً سابقاً، فتكون إعادة السؤال توبيخاً لهم. { وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل }: أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة، أو { وضل عنهم }: أي تلفت أصنامهم وتلاشت، فلم يجدوا منها نصراً ولا شفاعة، { وظنوا }: أي أيقنوا. قال السدي: { ما لهم من محيص }: أي من حيدة ورواغ من العذاب. والظاهر أن ظنوا معلقة، والجملة المنفية في موضع مفعولي ظنوا. وقيل: تم الكلام عند قوله: { وظنوا } ، أي وترجح عندهم أن قولهم: { ما منا من شهيد } منجاة لهم، أو أمر يموهون به. والجملة بعد ذلك مستأنفة، أي يكون لهم منجاً، أو موضع روغان.

السابقالتالي
2 3