الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

{ فإن أعرضوا }: التفات خرج من ضمير الخطاب في قوله:قل أئنكم لتكفرون } [فصلت: 9] إلى ضمير الغيبة إعراضاً عن خطابهم، إذ كانوا قد ذكروا بما يقتضي إقبالهم وإيمانهم من الحجج الدالة على الوحدانية والقدرة الباهرة، { فقل أنذرتكم }: أي أعلمتكم، { صاعقة } أي حلول صاعقة. قال قتادة: عذاباً مثل عذاب عاد وثمود. وقال الزمخشري: عذاباً شديد الوقع، كأنه صاعقة. وقرأ الجمهور: { صاعقة مثل صاعقة } ، وابن الزبير، والسلمي، والنخعي، وابن محيصن: بغير ألف فيهما وسكون العين، وتقدم تفسيرها في أوائل البقرة. والصعقة: المرة، يقال: صعقته الصاعقة فصعق، وهو من باب فعلت بفتح العين، ففعل بكسرها نحو: خدعته فخدع، وإذ معمولة لصاعقة لأن معناها العذاب.

{ من بين أيديهم ومن خلفهم } ، قال ابن عباس: أي قبلهم وبعدهم، أي قبل هود وصالح وبعدهما. وقيل: من أرسل إلى آبائهم ومن أرسل إليهم؛ فيكون { من بين أيديهم } معناه: من قبلهم، { ومن خلفهم } معناه: الرسل الذين بحضرتهم. فالضمير في من خلفهم عائد على الرسل، قاله الضحاك، وتبعه الفراء، وسيأتي عن الطبري نحو من هذا القول. وقال ابن عطية: { من بين أيديهم }: أي تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود، وبهذا الاتصال قامت الحجة. { ومن خلفهم }: أي جاءهم رسول بعد تقدم وجودهم في الزمن، وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبر ومباشرة. انتهى، وهو شرح كلام ابن عباس. وقال الزمخشري: { من بين أيديهم ومن خلفهم }: أي آتوهم من كل جانب، واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض. كما حكى الله عن الشيطان:ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } [الأعراف: 17]: أي لآتينهم من كل جهة، ولأعملن فيهم كل حيلة. وعن الحسن: أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة، لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاؤوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم. انتهى. وقال الطبري: الضمير في قوله: { ومن خلفهم } عائد على الرسل، وفي: { من بين أيديهم } عائد على الأمم، وفيه خروج عن الظاهر في تفريق الضمائر وتعمية المعنى، إذ يصير التقدير: جاءتهم الرسل من بين أيديهم وجاءتهم من خلف الرسل، أي من خلف أنفسهم، وهذا معنى لا يتعقل إلا إن كان الضمير يعود في خلفهم على الرسل لفظاً، وهو يعود على رسل أخرى معنى، فكأنه قال: جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلف رسل آخرين، فيكون كقولهم: عندي درهم ونصفه، أي ونصف درهم آخر، وهذا فيه بعد. وخص بالذكر من الأمم المهلكة عاد وثمود لعلم قريش بحالهما، ولوقوعهم على بلادهم في اليمن وفي الحجر، وقال الأفوه الأودي:

السابقالتالي
2 3 4