الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } * { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } * { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } * { وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } * { قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَىٰ قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ }

بدأ المؤمنون بذكر المتسبب عن دعوتهم، وأبدى التفاضل بينهما. ولما ذكر المسببين، ذكر سببهما، وهو دعاؤهم إلى الكفر والشرك، ودعاؤه إياهم إلى الإيمان والتوحيد. وأتى بصيغة العزيز، وهو الذي لا نظير له، والغالب الذي العالم كلهم في قبضته يتصرف فيهم كما يشاء، الغفار لذنوب من رجع إليه وآمن به، وأوصل سبب دعائهم بمسببه، وهو الكفر والنار، وأخر سبب مسببه ليكون افتتاح كلامه واختتامه بما يدعو إلى الخير. وبدأ أولاً بجملة اسمية، وهو استفهام المتضمن التعجب من حالتهم، وختم أيضاً بجملة اسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار. وجاء في حقهم { وتدعونني } بالجملة الفعلية التي لا تقتضي توكيداً، إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها، فتؤكد. و { ما ليس لي به علم } هي الأوثان، أي لم يتعلق به علمي، إذ ليس لها مدخل في الألوهية ولا لفرعون. قال الزمخشري: فإن قلت: لم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني؟ قلت: لأن الثاني داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له، فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو، وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة. انتهى. وتقدم الكلام على لا جرم.

وقال الزمخشري هنا، وروي عن العرب: لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء، يريد لا بد، وفعل وفعل أخوان، كرشد ورشد، وعدم وعدم. { أنما }: أي أن الذي تدعونني إليه، أي إلى عبادته، { ليس له دعوة } ، أي قدر وحق يجب أن يدعى إليه، أو ليس له دعوة إلى نفسه، لأن الجماد لا يدعو، والمعبود بالحق يدعو العباد إلى طاعته، ثم يدعو العباد إليها إظهاراً لدعوة ربهم. وقال الزجاج: المعنى ليس له استجابة دعوة توجب الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة، أو دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة، كما سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قوله: كما تدين تدان. وقال الكلبي: ليست له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة، وكان فرعون أولاً يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، وكانت تعبد ما دامت شابة، فإذا هزلت أمر بذبحها ودعا بأخرى لتعبد. فلما طال عليه الزمان قال:أنا ربكم الأعلى } [النازعات: 24]. ولما ذكر انتفاء دعوة ما عبد من دون الله وذكر أن مرد الجميع إلى الله، أي إلى جزائه، { وأن المسرفين }: وهم المشركون في قول قتادة، والسفاكون للدماء بغير حلها في قول ابن مسعود ومجاهد. وقيل: من غلب شره خيره هو المسرف. وقال عكرمة: هم الجبارون المتكبرون. وختم المؤمن كلامه بخاتمة لطيفة توجب التخويف والتهديد وهي قوله: { فستذكرون ما أقول لكم }: أي إذا حل بكم عقاب الله.

السابقالتالي
2 3 4 5