الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } * { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } * { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } * { وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } * { أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } * { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } * { مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }

الجمهور: على أن هذا المؤمن هو الرجل القائل: { أتقتلون رجلاً } ، قص الله أقاويله إلى آخر الآيات. لما رأى ما لحق فرعون من الخور والخوف، أتى بنوع آخر من التهديد، وخوفهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من استئصال الهلاك حين كذبوا رسلهم، وقويت نفسه حتى سرد عليه ما سرد، ولم يهب فرعون. وقالت فرقة: بل كلام ذلك المؤمن قد تم، وإنما أراد تعالى بالذي آمن بموسى، عليه السلام، واحتجوا بقوة كلامه، وأنه جنح معهم بالإيمان، وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك، ولم يكن كلام الأول الا علانية لهم، وأفرد اليوم، إما لأن المعنى مثل أيام الأحزاب، أو أراد به الجمع، أي مثل أيام الأحزاب لأنه معلوم أن كل حزب كان له يوم. و { الأحزاب } الذين تحزبوا على أنبياء الله. { مثل دأب } ، قال ابن عطية: بدل. وقال الزمخشري: عطف بيان. وقال الزجاج: مثل يوم حزب ودأب عادتهم وديدنهم في الكفر والمعاصي. { وما الله يريد ظلماً للعباد } ، أي إن إهلاكه إياهم كان عدلاً منه، وفيه مبالغة في نفي الظلم، حيث علقه بالإرادة. فإذا نفاه عن الإرادة، كان نفيه عن الوقوع أولى وأحرى. ولما خوفهم أن يحل بهم في الدنيا ما حل بالأحزاب، خوفهم أمر الآخرة فقال، تعطفاً لهم بندائهم: { يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } ، وهو يوم الحشر. والتنادي مصدر تنادي القوم: أي نادى بعضهم بعضاً. قال الشاعر:
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارساً   فقلت أعند الله ذلكم الردى
وسمي يوم التنادي، إما لنداء بعضهم لبعض بالويل والثبور، وإما لتنادي أهل الجنة وأهل النار على ما ذكر في سورة الأعراف، وإما لأن الخلق ينادون إلى المحشر، وإما لنداء المؤمن:هاؤم اقرؤا كتابيه } [الحاقة: 19]، والكافر:يا ليتني لم أوت كتابية } [الحاقة: 25]. وقرأت فرقة: التناد، بسكون الدال في الوصل أجراه مجرى الوقف وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو صالح، والكلبي، والزعفراني، وابن مقسم: التناد، بتشديد الدال: من ندَّ البعير اذا هرب. كما قاليوم يفر المرء من أخيه } [عبس: 34] الآية وقال ابن عباس، وغيره: في التناد خفيفة الدال هو التنادي، أي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا، وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم، وينادي بعضهم بعضاً. وروي هذا التأويل عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون التذكر بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة. انتهى. قال أمية بن أبي الصلت:
وبث الخلق فيها إذ دحاها   فهم سكانها حتى التنادي
وفي الحديث: " إن للناس جولة يوم القيامة يندّون " ، يظنون أنهم يجدون مهرباً؛ ثم تلا: { يوم تولون مدبرين } ، قال مجاهد: معناه فارين.

السابقالتالي
2 3 4