الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } * { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ }

ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، و وعيداً لقريش أن يحل بهم ما حل بفرعون وقومه من نقمات الله، ووعد للمؤمنين بالظفر والنصر وحسن العاقبة. وآيات موسى عليه السلام كثيرة، والذي تحدى به من المعجز العصا واليد. وقرأ عيسى: وسلطان بضم اللام، والسلطان المبين: الحجة والبرهان الواضح. والظاهر أن قارون هو الذي ذكره تعالى في قوله:إن قارون كان من قوم موسى } [القصص: 76]، وهو من بني إسرائيل. وقيل: هو غيره، ونص على هامان وقارون لمكانتهما في الكفر، ولأنهما أشهر أتباع فرعون. { فقالوا ساحر كذاب }: أي هذا ساحر، لما ظهر على يديه من قلب العصا حية، وظهور النور الساطع على يده، كذاب لكونه ادعى أنه رسول من رب العالمين. { فلما جاءهم بالحق من عندنا }: أي بالمعجزات والنبوة والدعاء إلى الإيمان بالله، { قالوا } ، أي أولئك الثلاثة، { اقتلوا }. قال ابن عباس: أي أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولاً. انتهى. يريد أن هذا غير القتل الأول، وإنما أمروا بقتل أبناء المؤمنين لئلا يتقوى بهم موسى عليه السلام، وباستحياء النساء للاستخدام والاسترقاق، ولم يقع ما أمروا به ولا تم لهم، ولا أعانهم الله عليه. { وما كيد الكافرين إلا في ضلال }: أي في حيرة وتخبط، لم يقع منه شيء، ولا أنجح سعيهم، وكانوا باشروا القتل أولاً، فنفذ قضاء الله في إظهار من خافوا هلاكهم على يديه. وقيل: كان فرعون قد كف عن قتل الأبناء، فلما بعث موسى، وأحس أنه قد وقع ما كان يحذره، أعاد القتل عليهم غيظاً وحنقاً وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين معاً.

{ وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه } ، قال الزمخشري: بعضه من كلام الحسن، كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه، هو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، ومثله لا يقاومه إلا ساحر مثله، ويقولون: إن قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة. والظاهر أن فرعون، لعنه الله، كان قد استيقن أنه نبي، وأن ما جاء به آيات وما هو سحر، ولكن الرجل كان فيه خبث وجبروت، وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه، ويهدم ملكه؟ ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله: { وليدع ربه }: شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، كان قوله: { ذروني أقتل موسى } تمويهاً على قومه وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6