الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } * { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

المغنم: مفعل من غنم، يصلح للزمان والمكان. والمصدر ويطلق على الغنيمة تسمية للمفعول بالمصدر أي: المغنوم، وهو ما يصيبه الرجل من مال العدو في الغزو. المراغم: مكان المراغمة، وهي: أن يرغم كل واحد من المتنازعين بحصوله في منعة منه أنف صاحبه بأن يغلب على مراده يقال: راغمت فلاناً إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك. والرغم الذل والهوان، وأصله: لصوق الأنف بالرغام، وهو التراب.

{ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } روى البخاري ومسلم: أن رجلاً من سليم مرّ على نفر من الصحابة ومعه غنم، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم إلا ليتعوذ، فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت. وقيل: بعث سرية فيها المقداد، فتفرق القوم وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فتشهد، فقتله المقداد، فأخبر الرسول عليه السلام بذلك فقال: " أقتلت رجلاً قال لا إله إلا الله، فكيف لك بلا إله إلا الله غداً " ؟ وقيل: لقي الصحابة المشركين فهزموهم، فشد رجل منهم على رجل، فلما غشيه السنان قال: إني مسلم، فقتله وأخذ متاعه، فرفع ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: " قتلته وقد زعم أنه مسلم؟ " فقال: قالها متعوذاً قال: " هلا شققت عن قلبه؟ " في قصة آخرها: أن القاتل مات فلفظته الأرض مرتين أو ثلاثاً، فطرح في بعض الشعاب. وقيل: هي السرية التي قتل فيها أسامة بن زيد مرداس بن نهيك من أهل فدك، وهي مشهورة. وقيل: بعث الرسول عليه السلام أبا حدرد الأسلمي وأبا قتادة ومحلم بن جثامة في سرية إلى أسلم، فلما بلغوا إلى عامر بن الأضبط الأشجعي حياهم بتحية الإسلام، فقتله محكم وسلبه، فلما قدموا قال: " أقتلته بعدما قال آمنت؟ " فنزلت.

ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وهي أنه تعالى لما ذكر جزاء من قتل مؤمناً متعمداً وأن له جهنم، وذكر غضب الله عليه ولعنته وإعداد العذاب العظيم له، أمر المؤمنين بالتثبت والتبين، وأن لا يقدم الإنسان على قتل من أظهر الإيمان، وأن لا يسفكوا دماً حراماً بتأويل ضعيف، وكرر ذلك آخر الآية تأكيداً أن لا يقدم عند الشبه والإشكال حتى يتضح له ما يقدم عليه، ولما كان خفاء ذلك منوطاً بالأسفار والغمزات قال: إذا ضربتم في الأرض، وإلا فالتثبت والتبين لازم في قتل من تظاهر بالإسلام في السفر وفي الحضر، وتقدم تفسير الضرب في قوله:لا يستطيعون ضرباً في الأرض }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد