الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

{ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } الخطاب عام كأنه قيل: ما أصابك يا إنسان. وقيل: للرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره. وقال ابن بحر: هو خطاب للفريق في قوله:إذا فريق منهم } [النساء: 77] قال: ولما كان لفظ الفريق مفرداً، صح أن يخبر عنه بلفظ الواحد تارة، وبلفظ الجمع تارة. وعليه قوله:
تفرق أهلاً نابثين فمنهم   فريق أقام واستقل فريق
هذا مقتضى اللفظ. وأما المعنى بالناس خاصتهم وعامتهم مراد بقوله: ما أصابك من حسنة. وقال ابن عباس، وقتادة، والحسن، وابن زيد، والربيع، وأبو صالح: معنى الآية أنه أخبر تعالى على سبيل الاستئناف والقطع أنَّ الحسنة منه بفضله، والسيئة من الإنسان بذنوبه، ومن الله بالخلق والاختراع. وفي مصحف ابن مسعود: فمن نفسك، وإنما قضيتها عليك، وقرأ بها ابن عباس. وحكى أبو عمرو: أنها في مصحف ابن مسعود، وأنا كتبتها. وروي أن ابن مسعود وأبياً قرآ: وأنا قدرتها عليك. ويؤيد هذا التأويل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم معناها: " أن ما يصيب الإنسان من المصائب فإنما هو عقوبة ذنوبه " وقالت طائفة: معنى الآية هو على قول محذوف تقديره: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟ يقولون: ما أصابك من حسنة الآية. والابتداء بقوله: { وأرسلناك } والوقف على قوله: فمن نفسك. وقالت طائفة: ما أصابك من حسنة فمن الله، هو استئناف إخبار من الله أنَّ الحسنة منه وبفضله. ثم قال: وما أصابك من سيئة فمن نفسك، على وجه الإنكار والتقدير: وألف الاستفهام محذوفة من الكلام كقوله:وتلك نعمة تمنها عليّ } [الشعراء: 22] أي: وتلك نعمة. وكذابازغاً قال هذا ربي } [الأَنعام: 88] على أحد الأقوال، والعرب تحذف ألف الاستفهام قال أبو خراش:
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع   فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي: أهم هم. وحكى هذا الوجه عن ابن الأنباري. وروى الضحاك عن ابن عباس أن الحسنة هنا ما أصاب المسلمين من الظفر والغنيمة يوم بدر، والسيئة ما نكبوا به يوم أحد. وعن عائشة رضي الله عنها: " ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب، حتى الشوكة يشاكها، حتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ". وقال تعالى:وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير } [الشورى: 30].

وقد تجاذبت القدرية وأهل السنة الدلالة من هذه الآيات على مذاهبهم، فتعلقت القدرية بالثانية وقالوا: ينبغي أن لا ينسب فعل السيئة إلى الله بوجه، وجعلوا الحسنة والسيئة في الأولى بمعنى الخصب والجدب والغنى والفقر. وتعلق أهل السنة بالأولى وقالوا:قل كل من عند الله }

السابقالتالي
2 3