الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

الفضل هنا: الظفر بالعدو والغنيمة. وقرأ الجمهور: ليقولن بفتح اللام. وقرأ الحسن: ليقولن بضم اللام، أضمر فيه ضمير الجمع على معنى من. وقرأ ابن كثير وحفص. كأنْ لم تكن بتاء التأنيث، والباقون بالياء. وقرأ الحسن ويزيد النحوي: فأفوزُ برفع الزاي عطفاً على كنت، فتكون الكينونة معهم والفوز بالقسمة داخلين في التمني، أو على الاستئناف أي فأنا أفوز. وقرأ الجمهور: بنصب الزاي، وهو جواب التمني، ومذهبُ جمهور البصريين: أنّ النصب بإضمار أن بعد الفاء، وهي حرف عطف عطفت المصدر المنسبك من أن المضمرة والفعل المنصوب بها على مصدر متوهم. ومذهب الكوفيين: أنه انتصب بالخلاف، ومذهب الجرمي: أنه انتصب بالفاء نفسها، ويا عند قوم للنداء، والمنادي محذوف تقديره: يا قوم ليتني. وذهب أبو علي: إلى أن يا للتنبيه، وليس في الكلام منادى محذوف، وهو الصحيح. وكأنْ هنا مخففة من الثقيلة، وإذا وليتها الجملة الفعلية فتكون مبدوءة بقد، نحو قوله:
لا يهولنك اصطلاؤك للحر   ب فمحذورها كان قد ألما
أو بلم كقوله: { كان لم تكن }كأن لم تغن بالأمس } [يونس: 24] ووجدت في شعر عمار الكلبي ابتداءها في قوله:
بددت منها الليالي شملهم   فكأن لما يكونوا قبل ثم
وينبغي التوقف في جواز ذلك حتى يسمع من لسان العرب. وقال ابن عطية: وكأنْ مضمنة معنى التشبيه، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر، وإنما تجيء بعدها الجمل انتهى. وهذا الذي ذكره غير محرر، ولا على إطلاقه. أما إذا خفقت ووليها ما كان يليها وهي ثقيلة، فالأكثر والأفصح أن ترتفع تلك الجملة على الابتداء والخبر، ويكون اسم كان ضمير شأن محذوفاً، وتكون تلك الجملة في موضع رفع خبر كان. وإذا لم ينو ضمير الشأن جاز لها أن تنصب الاسم إذا كان مظهراً، وترفع الخبر هذا ظاهر كلام سيبويه. ولا يخص ذلك بالشعر، فنقول: كأن زيداً قائم. قال سيبويه: وحدثنا من يوثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمر المنطلق وأهل المدينة يقرؤون: وأن كلا لما يخففون وينصبون كما قال: كأن ثدييه حقان، وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل، فلما حذف من نفسه شيء لم يغير عمله، كما لم يغير عمل لم يك، ولم أبل حين حذف انتهى. فظاهر تشبيه سيبويه أن عمر المنطلق بقوله: كأن ثدييه حقان جواز ذلك في الكلام، وأنه لا يختص بالشعر.

وقد نقل صاحب رؤوس المسائل: أن كأنْ إذا خفقت لا يجوز إعمالها عند الكوفيين، وأن البصريين أجازوا ذلك. فعلى مذهب الكوفيين قد يتمشى قول ابن عطية في أنَّ كانْ المخففة ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر، وأما على مذهب البصريين فلا، لأنها عندهم لا بد لها من اسم وخبر.

السابقالتالي
2 3 4