الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }

طمس: متعد ولازم. تقول: طمس المطر الأعلام أي محا آثارها، وطمست الأعلام درست، وطمس الطريق درس وعفت أعلامه قاله: أبو زيد. ومن المتعدّي:وإذا النجوم طمست } [المرسلات: 8] أي استؤصلت. وقال ابن عرفة في قوله: اطمس على أموالهم أي أذهبها كلية، وأعمى مطموس أي: مسدود العينين. وقال كعب:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت   عرضتها طامس الأعلام مجهول
والطمس والطسم والطلس والدرس كلها متقاربة في المعنى. الفتيل: فعيل بمعنى مفعول. فقيل: هو الخيط الذي في شق نواة التمرة. وقيل: ما خرج من الوسخ من بين كفيك وأصبعيك إذا فتلتهما. الجبت: اسم لصنم ثم صار مستعملاً لكل باطل، ولذلك اختلفت فيه أقاويل المفسرين على ما سيأتي. وقال قطرب: الجبت الجبس، وهو الذي لا خير عنده، قلبت السين تاء. قيل: وإنما قال هذا لأن الجبت مهمل. النقير: النقطة التي على ظهر النواة منها تنبت النخلة قاله: ابن عباس. وقال الضحاك: هو البياض الذي في وسطها. النضج: أخذ الشيء في التهري وتفرق أجزائه، ومنه نضج اللحم، ونضج الثمرة. يقال: نضج الشيء ينضج نضجاً ونضاجاً. الجلد معروف.

{ يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم } " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبار اليهود منهم عبد الله بن صوريا إلى الإسلام وقال لهم: " إنكم لتعلمون أن الذي جئت به حق " " فقالوا: ما نعرف ذلك، فنزلت. قاله ابن عباس. ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما رجاهم بقوله:ولو أنهم قالوا } [النساء: 46] الآية. خاطب من يرجى إيمانه منهم بالأمر بالإيمان، وقرن بالوعيد البالغ على تركه ليكون أدعى لهم إلى الإيمان والتصديق به، ثم أزال خوفهم من سوء الكبائر السابقة بقوله: { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية. وأعلمهم أن تزكيتهم أنفسهم بما لم يزكهم به الله لا ينفع.

والذين أوتوا الكتاب هنا اليهود، والكتاب التوراة قاله: الجمهور، أو اليهود والنصارى قاله: الماوردي وابن عطية. والكتاب التوراة والإنجيل، وبما نزلنا هو القرآن بلا خلاف، ولما معكم من شرع وملة لا لما معهم من مبدل ومغير من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدباها. قرأ الجمهور: نطمس بكسر الميم. وقرأ أبو رجاء: بضمها. وهما لغتان، والظاهر أن يراد بالوجوه مدلولها الحقيقي، وأما طمسها فقال ابن عباس وعطية العوفي: هو أن تزال العينان خاصة منها وترد في القفا، فيكون ذلك رداً على الدبر ويمشي القهقرى. وعلى هذا يكون ذلك على حذف مضاف أي: من قبل أن نطمس عيون وجوه، ولا يراد بذلك مطلق وجوه، بل المعنى وجوهكم. وقالت طائفة: طمس الوجوه أن يعفى آثار الحواس منها فترجع كسائر الأعضاء في الخلو من آثار الحواس منها، والرد على الإدبار هو بالمعنى أي: خلوه من الحواس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد