{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } قال قتادة: نزلت في اليهود. وفي رواية عن ابن عباس: في رفاعة بن زيد بن التابوت. وقيل: في غيره من اليهود. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر شيئاً من أحوال الآخرة، وأن الكفار إذ ذاك يودون لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً، وجاءت هذه الآية بعد ذلك كالاعتراض بين ذكر أحوال الكفار في الآخرة، وذكر أحوالهم في الدنيا وما هم عليه من معاداة المؤمنين، وكيف يعاملون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يأتي شهيداً عليهم وعلى غيرهم. ولما كان اليهود أشد إنكاراً للحق، وأبعد من قبول الخير. وكان قد تقدّم أيضاً الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون، وهم أشد الناس تحلياً بهذين الوصفين، أخذ يذكرهم بخصوصيتهم. وتقدم تفسير ألم تر إلى الذين في قوله تعالى:{ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } [البقرة: 243] فأغنى عن إعادته.. والنصيب: الحظ. ومن الكتاب: يحتمل أن يتعلق بأوتوا، ويحتمل أن يكون في موضع الصفة لنصيباً. وظاهر لفظ الذين أوتوا، يشمل اليهود والنصارى، ويكون الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل. وقيل: الكتاب هنا التوراة، والنصيب قيل: بعض علم التوراة، لا العمل بما فيها. وقيل: علم ما هو حجة عليهم منه فحسب. وقيل: كفرهم به. وقيل: علم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. { يشترون الضلالة } المعنى: يشترون الضلالة بالهدى، كما قال:{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } [البقرة: 16]. قال ابن عباس: استبدلوا الضلالة بالإيمان. وقال مقاتل: استبدلوا التكذيب بالنبي بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره واستنصارهم به انتهى. ودل لفظ الاشتراء على إيثار الضلالة على الهدى، فصار ذلك بغياً شديداً عليهم، وتوبيخاً فاضحاً لهم، حيث هم عندهم حظ من علم التوراة والإنجيل، ومع ذلك آثروا الكفر على الإيمان. وكتابهم طافح بوجوب اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. وقيل: اشتراء الضلالة هنا هو ما كانوا يبذلون من أموالهم لأحبارهم على تثبيت دينهم قاله: الزجاج. { ويريدون أن تضلوا السبيل } أي: لم يكفهم أن ضلوا في أنفسهم حتى تعلقت آمالهم بضلالكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحق، لأنهم لما علموا أنهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل كرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحق، فأرادوا أن يضلوا كما ضلوا هم كما قال تعالى:{ ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } [النساء: 89] وقرأ النخعي: وتريدون بالتاء باثنتين من فوق، قيل: معناه وتريدون أيها المؤمنون أن تضلوا السبيل أي: تدعون الصواب في اجتنابهم، وتحسبونهم غير أعداء الله. وقرىء: أن يضلوا بالياء وفتح الضاد وكسرها. { والله أعلم بأعدائكم } فيه تنبيه على الوصف المنافي لوداد الخير للمؤمنين وهي العداوة.