الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } أي لا يبخس أحداً قليلاً ولا كثيراً، والزيادة يحتمل أن يكون في أن الحسنة بعشر إلى سبعمائة، والتضعيف الذي ليس بمحصور في قوله:والله يضاعف لمن يشاء } [البقرة: 261] قال معناه ابن عطية رحمه الله تعالى.

{ وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً } هذا وعيد شديد للذين يتركون عبادة الله أنفة تكبراً. وقال ابن عطية: وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه كفعل حيـي بن أخطب وأخيه أبي ياسر وأبي جهل وغيرهم بالرسول، فإذا فرضت أحداً من البشر عرف الله فمحال أن تجده يكفر به تكبراً عليه، والعناد إنما يسوق إليه الاستكبار على البشر، ومع تفاوت المنازل في ظن المستكبر انتهى. وقدّم ذكر ثواب المؤمن لأنّ الإحسان إليه مما يعم المستنكف إذا كان داخلاً في جملة التنكيل به، فكأنه قيل: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحشر إذا رأى أجور العاملين، وبما يصيبه من عذاب الله تعالى.

{ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } الجمهور على أنّ البرهان هو محمد صلى الله عليه وسلم، وسماه برهاناً لأنّ منه البرهان، وهو المعجزة. وقال مجاهد: البرهان هنا الحجة، وقيل: البرهان الإسلام، والنور المبين هو القرآن.

{ فأمّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً } الظاهر أنّ الضمير في به عائد على لقربه وصحة المعنى، ولقوله: واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله. ويحتمل أن يعود على القرآن الذي عبر عنه بقوله: وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً وفي الحديث: " القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم " والرحمة والفضل: الجنة. وقال الزمخشري: في رحمة منه وفضل في ثواب مستحق وتفضل انتهى. ولفظ مستحق من ألفاظ المعتزلة. وقيل: الرحمة زيادة ترقية، ورفع درجات. وقيل: الرحمة التوفيق، والفضل القبول. والضمير في إليه عائد على الفضل، وهي هداية طريق الجنان كما قال تعالى:سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم } [محمد: 5 - 6] لأن هداية الإرشاد قد تقدّمت وتحصلت حين آمنوا بالله واعتصموا، وعلى هذا الصراط طريق الجنة. وقال الزمخشري: ويهديهم إلى عبادته، فجعل الضمير عائداً على الله تعالى وذلك على حذف مضاف وهذا هو الظاهر، لأنه المحدث عنه، وفي رحمة منه وفضل ليس محدثاً عنهما. قال أبو علي: هي راجعة إلى ما تقدم من اسم الله تعالى، والمعنى: ويهديهم إلى صراطه، فإذا جعلنا صراطاً مستقيماً نصباً على الحال كانت الحال من هذا المحذوف انتهى. ويعني: دين الإسلام.

السابقالتالي
2 3 4 5