الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } * { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } * { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

الزمر: جمع زمرة، قال أبو عبيد والأخفش: جماعات متفرقة، بعضها إثر بعض. قال:
حتى احزألت زمر بعد زمر   
ويقال: تزمر. والحفوف: الإحداق بالشيء، قال الشاعر:
تحفه جانب ضيق ويتبعه   مثل الزجاجة لم يكحل من الرمد
وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف، وهو الجانب، ومنه قول الشاعر:
له لحظات عن حفافي سريره   إذا كرها فيها عقاب ونائل


{ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين، وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين }.

ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة على سبيل الإجمال، بين بعد كيفية أحوال الفريقين وما أفضى إليه كل واحد منهما فقال: { وسيق } ، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف، وهو الغالب فيه. وجواب إذا: { فتحت أبوابها } ، ودل ذلك على أنه لا يفتح إلا إذا جاءت؛ كسائر أبواب السجون، فإنها لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فيفتح ثم يغلق عليهم. وتقدم ذكر قراءة التخفيف والتشديد في فتحت وأبوابها سبعة، كما ذكر في سورة الحجر. { وقال لهم خزنتها } ، على سبيل التقريع والتوبيخ، { ألم يأتكم رسل منكم }: أي من جنسكم، تفهمون ما ينبئونكم به، وسهل عليكم مراجعتهم. وقرأ ابن هرمز: تأتكم بتاء التأنيث؛ والجمهور: بالياء. { يتلون عليكم آيات ربكم }: أي الكتب المنزلة للتبشير والنذارة، { وينذرونكم لقاء يومكم هذا }: وهو يوم القيامة، وما يلقى فيه المسمى من العذاب، { قالوا بلى } أي قد جاءتنا، وتلوا وأنذروا، وهذا اعتراف بقيام الحجة عليهم، { ولكن حقت كلمة العذاب } أي قوله تعالى:لأملأن جهنم } [ص: 85]. { على الكافرين }: وضع الظاهر موضع المضمر، أي علينا، صرحوا بالوصف الموجب لهم العقاب.

ولما فرغت محاورتهم مع الملائكة، أمروا بدخول النار.

{ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً }: عبر عن الإسراع بهم إلى الجنة مكرمين بالسوق، والمسوق دوابهم، لأنهم لا يذهبون إليها إلا راكبين. ولمقابلة قسيمهم ساغ لفظ السوق، إذ لو لم يتقدم لفظ وسيق لعبر بأسرع، وإذا شرطية وجوابها قال الكوفيون: وفتحت، والواو زائدة؛ وقال غيره محذوف. قال الزمخشري: وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة، فدل على أنه شيء لا يحيط به الوصف، وحق موقعه ما بعد خالدين.

السابقالتالي
2