الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } * { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }

روي أنه قال المشركون للرسول عليه السلام: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك، وغير منصوب بأعبد.قال الأخفش: تأمروني ملغاة، وعنه أيضاً: أفغير نصب بتأمروني لا بأعبد، لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها، إذ الموصول منه حذف فرفع، كما في قوله:
ألا أيهـا ذا الزاجري احضر الوغى   
والصلة مع الموصول في موضع النصب بدلاً منه، أي أفغير الله تأمرونني عبادته؟ والمعنى: أتأمرونني بعبادة غير الله؟ وقال الزمخشري: أو ينصب بما يدل عليه جملة قوله: { تأمروني أعبد } ، لأنه في معنى تعبدون وتقولون لي: اعبده، وأفغير الله تقولون لي اعبد، فكذلك أفغير الله تقولون لي أن اعبده، وأفغير الله تأمروني أن أعبد. والدليل على صحة هذا الوجه قراءات من قرأ أعبد بالنصب، يعني: بنصب الدال بإضمار أن. وقرأ الجمهور: تأمروني، بإدغام النون في نون الوقاية وسكون الياء؛ وفتحها ابن كثير. وقرأ ابن عامر: تأمرنني، بنونين على الأصل؛ ونافع: تأمرني، بنون واحدة مكسورة وفتح الياء. قال ابن عطية: وهذا على حذف النون الواحدة، وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى، وهو لحن، لأنها علامة رفع الفعل. انتهى. وفي المسألة خلاف، منهم من يقول: المحذوفة نون الرفع، ومنهم من يقول: نون الوقاية، وليس بلحن، لأن التركيب متفق عليه، والخلاف جرى في أيهما حذف، ونختار أنها نون الرفع.

ولما كان الأمر بعبادة غير الله لا يصدر إلا من غبي جاهل، ناداهم بالوصف المقتضي ذلك فقال: { أيها الجاهلون }. ولما كان الإشراك مستحيلاً على من عصمه الله، وجب تأويل قوله: { لئن أشركت } أيها السامع، ومضى الخطاب على هذا التأويل. ويدل على هذا التأويل أنه ليس براجع الخطاب للرسول، إفراداً لخطاب في { لئن أشركت } ، إذ لو كان هو المخاطب، لكان التركيب: لئن أشركتما، فيشمل ضمير هو ضمير الذين من قبله، ويغلب الخطاب. وقال الزمخشري: فإن قلت: المومى إليهم جماعة، فكيف قال: { لئن أشركت } على التوحيد؟ قلت معناه: لئن أوحى إليك، { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، وإلى الذين من قبلك مثله، وأوحى إليك وإلى كل واحد منهم { لئن أشركت } ، كما تقول: كسانا حلة، أي كل واحد منا. فإن قلت: كيف يصح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها ثم ذكر كلاماً يوقف عليه في كتابه. ويستدل بهذه الآية على حبوط عمل المرتد من صلاة وغيرها. وأوحى: مبني للمفعول، ويظهر أن الوحي هو هذه الجمل: من قوله: { لئن أشركت } إلى { من الخاسرين } وهذا لا يجوز على مذهب البصريين، لأن الجمل لا تكون فاعلة، فلا تقوم مقام الفاعل. وقال مقاتل: أوحى إليك بالتوحيد، والتوحيد محذوف.

السابقالتالي
2 3 4 5