الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

المقاليد: المفاتيح، قيل: لا واحد لها من لفظها، قاله التبريزي. وقيل: واحدها مقليد، وقيل: مقلاد، ويقال: إقليد وأقاليد، والكلمة أصلها فارسية..

{ أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين، بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين، ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين، وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون، الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون }.

روي أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق، أتاه إبليس فقال له: تمتع من الدنيا ثم تب، فأطاعه وأنفق ماله في الفجور. فأتاه ملك الموت في ألذ ما كان، فقال: { ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله } ، وذهب عمري في طاعة الشيطان، وأسخطت ربي، فندم حين لا ينفعه، فأنزل الله خبره. { أن تقول }: مفعول من أجله، فقدره ابن عطية: أي أنيبوا من أجل أن تقول. وقال الزمخشري: كراهة أن تقول، والحوفي: أنذرناكم مخافة أن تقول، ونكر نفس لأنه أريد بها بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، أو أريد الكثير، كما قال الأعشى:
ورب نفيع لو هتفت لنحوه   أتاني كريم ينقض الرأسى مغضبا
يريد أفواجاً من الكرام ينصرونه، لا كريماً واحداً؛ أو أريد نفس متميزة من الأنفس بالفجاج الشديد في الكفر، أو بعذاب عظيم. قال هذه المحتملات الزمخشري، والظاهر الأول. وقرأ الجمهور: يا حسرتا، بإبدال ياء المتكلم ألفاً، وأبو جعفر: يا حسرتا، بياء الإضافة، وعنه: يا حسرتي، بالألف والياء جمعاً بين العوض والمعوض، والياء مفتوحة أو سانة. وقال أبو الفضل الرازي في تصنيفه (كتاب اللوامح): ولو ذهب إلى أنه أراد تثنية الحسرة مثل لبيك وسعديك، لأن معناهما لب بعد لب وسعد بعد سعد، فكذلك هذه الحسرة بعد حسرة، لكثرة حسراتهم يومئذ؛ أو أراد حسرتين فقط من فوت الجنة لدخول النار، لكان مذهباً، ولكان ألف التثنية في تقدير الياء على لغة بلحرث بن كعب. انتهى. وقرأ ابن كثير في الوقف: يا حسرتاه، بهاء السكت. قال سيبويه: ومعنى نداء الحسرة والويل: هذا وقتك فاحضري. والجنب: الجانب، ومستحيل على الله الجارحة، فإضافة الجنب إليه مجاز. قال مجاهد، والسدي: في أمر الله. وقال الضحاك: في ذكره، يعني القرآن والعمل به. وقيل: في جهة طاعته، والجنب: الجهة، وقال الشاعر:
أفي جنب تكنى قطعتني ملامة   سليمى لقد كانت ملامتها ثناء

السابقالتالي
2 3 4 5