الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

عن ابن عباس، أن قوماً من الصحابة قالوا: يا رسول الله، حدثنا بأحاديث حسان، وبأخبار الدهر، فنزل: { الله نزل أحسن الحديث }. وعن ابن مسعود، أن الصحابة ملأوا مكة، فقالوا له: حدثنا، فنزلت. والابتداء باسم الله، وإسناد نزل لضميره مبنياً عليه فيه تفخيم للمنزل ورفع منه، كما تقول: الملك أكرم فلاناً، هو أفخم من: أكرم الملك فلاناً. وحكمة ذلك البداءة بالأشراف من تذكر ما تسند إليه، وهو كثير في القرآن، كقوله:الله يصطفي من الملائكة رسلاً } [الحج: 75]،

و { وكتاباً } بدل من { أحسن الحديث }. وقال الزمخشري: ويحتمل أن يكون حالاً. انتهى. وكان بناء على أن { أحسن الحديث } معرفة لإضافته إلى معرفة. وأفعل التفضيل، إذا أضيف إلى معرفة، فيه خلاف. فقيل: إضافته محضة، وقيل: غير محضة. و { متشابهاً }: مطلق في مشابهة بعضه بعضاً. فمعانيه متشابهة، لا تناقض فيها ولا تعارض، وألفاظه في غاية الفصاحة والبلاغة والتناسب، بحيث أعجزت الفصحاء والبلغاء. وقرأ الجمهور: { مثاني } ، بفتح الياء؛ وهشام، وابن عامر، وأبو بشر: بسكون الياء، فاحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف، واحتمل أن يكون منصوباً، وسكن الياء على قول من يسكن الياء في كل الأحوال، لانكسار ما قبلها استثقالا للحركة عليها. ومثاني يظهر أنه جمع مثنى، ومعناه: موضع تثنية القصص والأحكام والعقائد والوعد والوعيد. وقيل: يثنى في الصلاة بمعنى: التكرير والأعادة. انتهى. ووصف المفرد بالجمع، لأن فيه تفاصيل، وتفاصيل الشيء جملته. ألا ترى أنك تقول: القرآن سور وآيات؟ فكذلك تقول: أحكام ومواعظ مكررات، وأصله كتاباً متشابهاً فصولاً مثاني، حذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه. وأجاز الزمخشري أن يكون من باب برمة أعشار وثوب أخلاق، وأن يكون تمييزاً عن متشابهاً، فيكون منقولاً من الفاعل، أي متشابهاً مثانية. كما تقول: رأيت رجلاً حسناً شمائل، وفائدة تثنيته وتكرره رسوخه في النفوس، إذ هي أنفر شيء عن سماع الوعظ والنصيحة. والظاهر حمل القشعريرة على الحقيقة، إذ هو موجود عند الخشية، محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو حاصل من التأثر القلبي. وقيل: هو تمثيل تصوير لإفراط خشيتهم، والمعنى: أنه حين يسمعونه يتلي ما فيه من آيات الوعيد، عرتهم خشية تنقبض منها جلودهم.

ثم إذا ذكروا لله ورحمته لانت جلودهم، أي زال عنها ذلك التقبض الناشىء عن خشية القلوب بزوال الخشية عنها، وضمن تلين معنى تطمئن جلودهم لينة غير منقبضة، وقلوبهم راجية غير خاشية، ولذلك عداه بإلى. وكان في ذكر القلوب في هذه الجملة دليل على تأثرها عند السماع، فاكتفى بقشعريرة الجلود عن ذكر خشية القلوب لقيام المسبب مقام السبب. فلما ذكر اللين ذكرهما، وفي ذكر اللين دليل على المحذوف الذي هو رحمة الله، كما كان في قوله:

السابقالتالي
2 3 4