الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } * { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ }

الضغث: حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو قضبان، وقيل: القبضة الكبيرة من القضبان، ومنه قولهم: ضغث على إبالة، والإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: القبضة عليها من الحطب أيضاً، ومنه قول الشاعر:
وأسفل مني نهدة قد ربطتها   وألقيت ضغثاً من خلى متطيب
الحنث: فعل ماحلف على تركه، وترك ما حلف على فعله، الغساق: ما سال، يقال: غسقت العين والجرح. وعن أبي عبيدة: أنه البارد المنتن، بلغة الترك؛ وقال الأزهري: الغاسق: البارد، ولهذا قيل: ليل غاسق، لأنه أبرد من النهار. الاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها، والقحمة: الشدة.

{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب، وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوّاب، واذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار، إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار، وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار، واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار، }.

لما أمر نبيه بالصبر، وذكر ابتلاء داود وسليمان، وأثنى عليهما، ذكر من كان أشدّ ابتلاء منهما، وأنه كان في غاية الصبر، بحيث أثنى الله عليه بذلك. وأيوب: عطف بيان أو بدل. قال الزمخشري: وإذ بدل اشتمال منه. وقرأ الجمهور: { أني } بفتح الهمزة، وعيسى: بكسرها، وجاء بضمير التكلم حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه، ولو لم يحك لقال: إنه مسه، لأنه غائب، وأسند المس إلى الشيطان. قال الزمخشري: لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله به من النصب والعذاب، نسبه إليه وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله، ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به البلاء، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل. وذكر في سبب بلائه أن رجلاً استغاثه على ظالم، فلم يغثه. وقيل: كانت مواشيه في ناحية ملك كافر، فداهنه ولم يفده. وقيل: أعجب بكثرة ماله. انتهى.

ولا يناسب مناصب الأنبياء ما ذكره الزمخشري من أن أيوب كانت منه طاعة للشيطان فيما وسوس به، وأن ذلك كان سبباً لما مسه الله به من النصب والعذاب، ولا أن رجلاً استغاثه على ظالم فلم يغثه، ولا أنه داهن كافراً، ولا أنه أعجب بكثرة ماله. وكذلك ما رووا أن الشيطان سلطه الله عليه حتى أذهب أهله وماله لا يمكن أن يصح، ولا قدرة له على البشر إلا بإلقاء الوساوس الفاسدة لغير المعصوم.

السابقالتالي
2 3 4 5