الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ }

لما انقضت قصة المؤمن وقرينه، وكان ذلك على سبيل الاستطراد من شيء إلى شيء، عاد إلى ذكر الجنة والرزق الذي أعده الله فيها لأهلها فقال: أذلك الرزق { خير نزلاً }؟ والنزل ما يعد للأضياف، وعادل بين ذلك الرزق وبين { شجرة الزقوم }. فلاستواء الرزق المعلوم يحصل به اللذة والسرور، وشجرة الزقوم يحصل بها الألم والغم، فلا اشتراك بينهما في الخيرية. والمراد تقرير قريش والكفار وتوقيفهم على شيئين، أحدهما فاسد. ولو كان الكلام استفهاماً حقيقة لم يجز، إذ لا يتوهم أحد أن في شجرة الزقوم خيراً حتى يعادل بينهما وبين رزق الجنة. ولكن المؤمن، لما اختار ما أدّى إلى رزق الجنة، والكافر اختار ما أدّى إلى شجرة الزقوم، قيل ذلك توبيخاً للكافرين وتوقيفاً على سوء اختيارهم. { إنا جعلناها فتنة للظالمين } ، قال قتادة، ومجاهد، والسدي: أبو جهل ونظراؤه، لما نزلت قال للكفار، يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار، وهي تأكلها وتذهبها، ففتنوا بذلك أنفسهم وجملة أتباعهم. وقال أبو جهل: إنما الزقوم: التمر بالزبد، ونحن نتزقمه. وقيل: منبتها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. واستعير الطلع، وهي النخلة، لما تحمل هذه الشجرة، وشبه طلعها بثمر شجرة معروفة يقال لثمرها رؤوس الشياطين، وهي بناحية اليمن يقال لها الاستن، وذكرها النابغة في قوله:
تحيد من استن سود أسافله   مشي الإماء الغوادي تحمل الحزما
وهو شجر خشن مر منكر الصورة، سمت ثمره العرب بذلك تشبها برؤوس الشياطين، ثم صار أصلاً يشبه به. وقيل: هو شجرة يقال لها الصوم، ذكرها ساعدة بن حوبة الهذلي في قوله:
موكل بشدوف الصوم يرقبها   من المناظر مخطوف الحشازرم
وقيل: الشياطين صنف من الحيات ذوات أعراف، ومنه:
عجيز تحلف حين أحلف   كمثل شيطان الحماط أعرف
وقيل: شبه بما اشتهر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها، وإن كانت غير مرئية، ولذلك يصورون الشيطان في أقبح الصور. وإذا رأوا أشعث منتفش الشعر قالوا: كأنه وجه شيطان، وكأن رأسه رأس شيطان، وهذه بخلاف الملك، يشبهون به الصورة الحسنة. وكما شبه امرؤ القيس المسنونة الزرق بأنياب الغول في قوله:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال   
وإن كان لم يشاهد تلك الأنياب، وهذا كله تشبيه تخييلي. والضمير في منها يعود على الشجرة، أي من طلعها. وقرأ الجمهور: { لشوباً } بفتح الشين؛ وشيبان النحوي: بضمها. وقال الزجاج: الفتح للمصدر والضم للاسم، يعني أنه فعل بمعنى مفعول، أي مشوب، كالنقص بمعنى المنقوص. وفسر بالخلط والحميم الماء السخن جداً، وقيل: يراد به هنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ساح منهم. ولما ذكر أنهم يملأُون بطونهم من شجرة الزقوم للجوع الذي يلحقهم، أو لإكراههم على الأكل وملء البطون زيادة في عذابهم، ذكر ما يسقون لغلبة العطش، وهو ما يمزج لهم من الحميم.

السابقالتالي
2